قوله : { وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ } : في " أَهْوَن " قولان ، أحدهما : أنها للتفضيل على بابِها . وعلى هذا يُقال : كيف يُتَصَوَّرُ التفضيلُ ، والإِعادةُ والبُداءة بالنسبةِ إلى اللَّهِ تعالى على حدٍّ سواء ؟ في ذلك أجوبة ، أحدها : أنَّ ذلك بالنسبةِ إلى اعتقاد البشرِ باعتبارِ المشاهَدَة : مِنْ أنَّ إعادَة الشيءِ أهونُ من اختراعِه لاحتياجِ الابتداءِ إلى إعمالِ فكر غالباً ، وإن كان هذا منتفياً عن الباري سبحانَه وتعالى فخوطبوا بحسَبِ ما أَلِفوه .
الثاني : أنَّ الضميرَ في " عليه " ليس عائداً على الله تعالى ، إنما يعودُ على الخَلْقِ أي : والعَوْدُ أهونُ على الخَلْقِ أي أسرعُ ؛ لأن البُداءةَ فيها تدريجٌ مِنْ طَوْرٍ إلى طَوْر ، إلى أنْ صار إنساناً ، وَالإِعادةُ لا تحتاجُ إلى هذه التدريجاتِ فكأنه قيل : وهو أقصرُ عليه وأَيْسَرُ وأقلُّ انتقالاً .
الثالث : أنَّ الضميرَ في " عليه " يعودُ على المخلوق ، بمعنى : والإِعادةُ أهونُ على المخلوقِ أي إعادتُه شيئاً بعدما أَنْشأه ، هذا في عُرْفِ المخلوقين ، فكيف يُنْكِرون ذلك في جانب اللَّهِ تعالى ؟
والثاني : أنَّ " أهونُ " ليسَتْ للتفضيل ، بل هي صفةٌ بمعنى هَيِّن ، كقولهم : اللَّهُ أكبرُ [ أي ] : الكبير . والظاهرُ عَوْدُ الضمير في " عليه " على الباري تعالى ليُوافِقَ الضميرَ في قوله : { وَلَهُ الْمَثَلُ الأَعْلَى } . قال الزمخشري : " فإن قلتَ : لِمَ أُخِّرَتِ الصلةُ في قوله { وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ } وقُدِّمَتْ في قولِه
{ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ } ؟ قلت : هنالك قُصِدَ الاختصاصُ ، وهو مَحَزُّه فقيلِ : هو عليَّ هيِّنٌ وإن كان مُسْتَصعباً عندك أن يُوْلَدَ بين هِمٍّ وعاقِر ، وأمَّا هنا فلا معنى للاختصاص . كيف والأمرُ مبنيٌّ على ما يعقلون من أنَّ الإِعادةَ أسهلُ من الابتداء ؟ فلو قُدِّمَت الصلة لَتَغيَّر المعنى " . قال الشيخ : " ومبنى كلامِه على أنَّ التقديمَ يُفيد الاختصاصَ وقد تكلَّمْنا معه ولم نُسَلِّمه " . قلت : الصحيحُ أنه يُفيده ، وقد تقدَّم جميعُ ذلك .
قوله : { وَلَهُ الْمَثَلُ الأَعْلَى } يجوز أَنْ يكونَ مرتبطاً بما قبلَه ، وهو قولُه : { وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ } أي : قد ضَرَبه لكم مَثَلاً فيما يَسْهُل وفيما يَصْعُبُ . وإليه نحا الزجَّاج أو بما بعدَه مِنْ قولِه : { ضَرَبَ لَكُمْ مَّثَلاً مِّنْ أَنفُسِكُمْ }
[ الروم : 28 ] وقيل : المَثَلُ : الوصفُ . " وفي السماوات " يجوز أَنْ يتعلَّق بالأَعْلى أي : إنه علا في هاتين الجهتين ، ويجوز أَنْ يتعلَّقَ بمحذوفٍ على أنَّه حالٌ مِن الأعلى ، أو مِن المَثَل ، أو مِن الضمير في " الأَعْلى " فإنه يعودُ على المَثَل .
قوله : " مِنْ أَنْفُسكم " " مِنْ " لابتداء الغاية في موضع الصفةِ ل مَثَلاً أي : أَخَذَ مثلاً ، وانتزعه مِنْ أقربِ شيءٍ منكم هو أنفسكُم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.