معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{أَوۡ كَصَيِّبٖ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ فِيهِ ظُلُمَٰتٞ وَرَعۡدٞ وَبَرۡقٞ يَجۡعَلُونَ أَصَٰبِعَهُمۡ فِيٓ ءَاذَانِهِم مِّنَ ٱلصَّوَٰعِقِ حَذَرَ ٱلۡمَوۡتِۚ وَٱللَّهُ مُحِيطُۢ بِٱلۡكَٰفِرِينَ} (19)

قوله تعالى : { أو كصيب } . أي كأصحاب صيب ، وهذا مثل آخر ضربه الله تعالى للمنافقين بمعنى إن شئت مثلهم بالمستوقد وإن شئت بأهل الصيب وقيل " أو " بمعنى الواو ، يريد وكصيب كقوله تعالى : ( أو يزيدون ) بمعنى ويزيدون والصيب المطر وكل ما نزل من الأعلى إلى الأسفل فهو صيب فيعل من صاب يصوب أي نزل .

قوله تعالى : { من السماء } . أي من السحاب وقيل هي السماء بعينها ، والسماء كل ما علاك فأظلك ، وهي من أسماء الأجناس يكون واحداً وجمعاً .

قوله تعالى : { فيه } . أي في الصيب ، وقيل في السماء أي في السحاب ولذلك ذكره . وقيل السماء يذكر ويؤنث قال الله تعالى : ( السماء منفطر به ) وقال ( إذا السماء انفطرت ) .

قوله تعالى : { ظلمات } . جمع ظلمة .

قوله تعالى : { ورعد } . هو الصوت الذي يسمع من السحاب .

قوله تعالى : { وبرق } وهو النار التي تخرج منه . قال علي وابن عباس وأكثر المفسرين : الرعد اسم ملك يسوق السحاب ، والبرق لمعان سوط من نور يزجر به الملك السحاب . وقيل الصوت زجر السحاب وقيل تسبيح الملك . وقيل الرعد نطق الملك والبرق ضحكه . وقال مجاهد الرعد اسم الملك ويقال لصوته أيضاً رعد والبرق اسم ملك يسوق السحاب . وقال شهر بن حوشب : الرعد ملك يزجر السحاب فإذا تبددت ضمها فإذا اشتد غضبه طارت من فيه النار فهي الصواعق . وقيل الرعد صوت انحراف الريح بين السحاب ، والأول أصح .

قوله تعالى : { يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق } . جمع صاعقة وهي الصيحة التي يموت من يسمعها أو يغشى عليه . ويقال لكل عذاب مهلك : صاعقة ، وقيل الصاعقة قطعة عذاب ينزلها الله تعالى على من يشاء . روى عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا سمع صوت الرعد والصواعق قال : اللهم لا تقتلنا بغضبك ولا تهلكنا بعذابك وعافنا قبل ذلك .

قوله تعالى : { حذر الموت } . أي مخافة الهلاك .

قوله تعالى : { والله محيط بالكافرين } . أي عالم بهم . وقيل جامعهم . قال مجاهد : يجمعهم فيعذبهم . وقيل : مهلكهم ، دليله قوله تعالى : ( إلا أن يحاط بكم ) أي تهلكوا جميعاً . ويميل أبو عمرو والكسائي ( الكافرين ) في محل النصب أو الخفض ولا يميلان : ( أول كافر به ) .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{أَوۡ كَصَيِّبٖ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ فِيهِ ظُلُمَٰتٞ وَرَعۡدٞ وَبَرۡقٞ يَجۡعَلُونَ أَصَٰبِعَهُمۡ فِيٓ ءَاذَانِهِم مِّنَ ٱلصَّوَٰعِقِ حَذَرَ ٱلۡمَوۡتِۚ وَٱللَّهُ مُحِيطُۢ بِٱلۡكَٰفِرِينَ} (19)

ثم قال تعالى : { أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ } يعني : أو مثلهم كصيب ، أي : كصاحب صيب من السماء ، وهو المطر الذي يصوب ، أي : ينزل بكثرة ، { فِيهِ ظُلُمَاتٌ } ظلمة الليل ، وظلمة السحاب ، وظلمات المطر ، { وَرَعْدٌ } وهو الصوت الذي يسمع من السحاب ، { وَبَرْقٌ } وهو الضوء [ اللامع ] المشاهد مع{[59]}  السحاب .


[59]:- في ب: من.
 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{أَوۡ كَصَيِّبٖ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ فِيهِ ظُلُمَٰتٞ وَرَعۡدٞ وَبَرۡقٞ يَجۡعَلُونَ أَصَٰبِعَهُمۡ فِيٓ ءَاذَانِهِم مِّنَ ٱلصَّوَٰعِقِ حَذَرَ ٱلۡمَوۡتِۚ وَٱللَّهُ مُحِيطُۢ بِٱلۡكَٰفِرِينَ} (19)

ثم ساق-سبحانه-المثل الثاني فقال : { أَوْ كَصَيِّبٍ مِّنَ السمآء فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ } .

" أو " للتسوية بين الشيئين وهي مفيدة أن التمثيل بأيهما أو بمجموعهما يؤدى إلى المقصود ، فهي مانعة خلو مجوزة للجمع بينهما .

و ( الصيب ) - كسيد - المطر ، من الصوب وهو النزول . يقال : صاب صوباً ، إذا نزل أو انحدر ، سمى به المطر لنزوله ، وفي الجملة الكريمة إيجاز بحذف ما دل عليه المقام دلالة واضحة .

والتقدير : أو كمثل ذوي صيب . والمعنى أن قصة هؤلاء المنافقين مشبهة بقصة الذي استوقد ناراً ، أو بقصة ذوي صيب .

والسماء : كل ما علاك من سقف ونحوه ، والمراد بها السحاب .

والرعد : الصوت الذي يسمع بسبب اصطدام سحابتين محملتين بشحنتين كهربيتين أحداهما موجبة والأخرى سالبة .

والبرق : هو الضوء الذي يحدث بسبب الاصطدام ذاته .

وإيراد هذه الألفاز بصفة التنكير للتهويل ، ويكون المعنى : أو أن مثل هؤلاء المنافقين كمثل قوم نزل بهم المطر من السماء تصحبه ظلمات كأنها سواد الليل ، ورعد بصم الآذان ، وبرق يخطف الأبصار ؛ وصواعق تحرق ما تصيبه .

ثم قال - تعالى - : { يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ في آذَانِهِم مِّنَ الصواعق حَذَرَ الموت } .

ِالصواعق : جمع صاعقة من الصعق وهو شدة الصوت الذي يصحبه - غالباً - قطعة من نار لا تأتي على شيء إلا أهلكته .

( ومن ) في قوله - تعالى - : { مِّنَ الصواعق } للعليل . وإنما كانت الصواعق داعية إلى سدهم آذانهم بأصابعهم ، من جهة أنها قد تفضى بصوتها لهائل إلى الموت ، وجاء هذا مصرحا به في قوله - تعالى - { حَذَرَ الموت } يدل على أنهم لم يموتوا من تلك المفزعات وهذه المروعات . إمدادا في عذابهم . ومطاولة في نكالهم .

وقوله - تعالى - : { والله مُحِيطٌ بالكافرين } جملة معترضة في أثناء ضرب المثل بذوي الصيب . وإحاطته - سبحانه - بالكافرين على معنى أنهم لا مهرب لهم منه ، فهو محيط بهم إحاطة تامة وهو قادر على النكال بهم متى شاء وكيف شاء . ولم يقل محيط بهم مع تقدم مرجع الضمير وهو أصحاب الصيب ، إيذاناً بأنهم إنما استحقوا ذلك العذاب بكفرهم .

/خ20

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{أَوۡ كَصَيِّبٖ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ فِيهِ ظُلُمَٰتٞ وَرَعۡدٞ وَبَرۡقٞ يَجۡعَلُونَ أَصَٰبِعَهُمۡ فِيٓ ءَاذَانِهِم مِّنَ ٱلصَّوَٰعِقِ حَذَرَ ٱلۡمَوۡتِۚ وَٱللَّهُ مُحِيطُۢ بِٱلۡكَٰفِرِينَ} (19)

وهذا مثل آخر ضربه الله تعالى لضرب آخر من المنافقين ، وهم قوم يظهر لهم الحق تارة ، ويشكّون تارة أخرى ، فقلوبهم في حال شكهم وكفرهم وترددهم { كَصَيِّبٍ } والصيب : المطر ، قاله ابن مسعود ، وابن عباس ، وناس من الصحابة ، وأبو العالية ، ومجاهد ، وسعيد بن جبير ، وعطاء ، والحسن البصري ، وقتادة ، وعطية العَوْفِي ، وعطاء الخراساني ، والسُّدي ، والرّبيع بن أنس .

وقال الضحاك : هو السحاب .

والأشهر هو المطر نزل من السماء في حال ظلمات ، وهي الشكوك والكفر والنفاق . { وَرَعْدٌ } وهو ما يزعج القلوب من الخوف ، فإن من شأن المنافقين الخوف الشديد والفزع ، كما قال تعالى : { يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ [ هُمُ الْعَدُوُّ ] {[1322]} } [ المنافقون : 4 ] وقال : { وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَمَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغَارَاتٍ أَوْ مُدَّخَلا لَوَلَّوْا إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ } [ التوبة : 56 ، 57 ] .

والبرق : هو ما يلمع في قلوب هؤلاء الضرب من المنافقين في بعض الأحيان ، من نور الإيمان ؛ ولهذا قال : { يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ } أي : ولا يُجْدي عنهم حذرهم شيئًا ؛ لأن الله محيط [ بهم ]{[1323]} بقدرته ، وهم تحت مشيئته وإرادته ، كما قال : { هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ وَاللَّهُ مِنْ وَرَائِهِمْ مُحِيطٌ } [ البروج : 17 - 20 ] .

[ والصواعق : جمع صاعقة ، وهي نار تنزل من السماء وقت الرعد الشديد ، وحكى الخليل بن أحمد عن بعضهم صاعقة ، وحكى بعضهم صاعقة وصعقة وصاقعة ، ونقل عن الحسن البصري أنه : قرأ " من الصواقع حذر الموت " بتقديم القاف وأنشدوا لأبي النجم :

يحكوك بالمثقولة القواطع *** شفق البرق عن الصواقع{[1324]}

قال النحاس : وهي لغة بني تميم وبعض بني ربيعة ، حكى ذلك .


[1322]:زيادة من جـ، ط.
[1323]:زيادة من جـ، ط، ب.
[1324]:البيت في اللسان، مادة "صقع" وهو فيه: يحكون بالمصقولة القواطع... تشقق البرق عن الصواقع
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{أَوۡ كَصَيِّبٖ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ فِيهِ ظُلُمَٰتٞ وَرَعۡدٞ وَبَرۡقٞ يَجۡعَلُونَ أَصَٰبِعَهُمۡ فِيٓ ءَاذَانِهِم مِّنَ ٱلصَّوَٰعِقِ حَذَرَ ٱلۡمَوۡتِۚ وَٱللَّهُ مُحِيطُۢ بِٱلۡكَٰفِرِينَ} (19)

{ أو كصيب من السماء } عطف على الذي استوقد أي : كمثل ذوي صيب لقوله : { يجعلون أصابعهم في آذانهم } و{ أو } في الأصل للتساوي في الشك ، ثم اتسع فيها فأطلقت للتساوي من غير شك مثل : جالس الحسن أو ابن سيرين ، وقوله تعالى : { ولا تطع منهم آثما أو كفورا } . فإنها تفيد التساوي في حسن المجالسة ووجوب العصيان ومن ذلك قوله : { أو كصيب } ومعناه أن قصة المنافقين مشبهة بهاتين القصتين ، وأنهما سواء في صحة التشبيه بهما ، وأنت مخير في التمثيل بهما أو بأيهما شئت . والصيب : فيعل من الصوب ، وهو النزول ، يقال للمطر وللسحاب . قال الشماخ :

وأسحم دان صادق الرعد صيب *** . . .

وفي الآية يحتملهما ، وتنكيره لأنه أريد به نوع من المطر شديد . وتعريف السماء للدلالة على أن الغمام مطبق آخذ بآفاق السماء كلها فإن كل أفق منها يسمى سماء كما أن كل طبقة منها سماء ، وقال :

ومن بعد أرض بيننا وسماء *** . . .

أمد به ما في الصيب من المبالغة من جهة الأصل والبناء والتنكير ، وقيل المراد بالسماء السحاب فاللام لتعريف الماهية .

{ فيه ظلمات ورعد وبرق } إن أريد بالصيب المطر ، فظلماته ظلمة تكاثفه بتتابع القطر ، وظلمة غمامه مع ظلمة الليل وجعله مكانا للرعد والبرق لأنهما في أعلاه ومنحدره ملتبسين به . وإن أريد به السحاب ، فظلماته سحمته وتطبيقه مع ظلمة الليل . وارتفاعها بالظرف وفاقا لأنه معتمد على موصوف . والرعد : صوت يسمع من السحاب . والمشهور أن سببه اضطراب أجرام السحاب واصطكاكها إذا حدتها الريح من الارتعاد . والبرق ما يلمع من السحاب ، من برق الشيء بريقا ، وكلاهما مصدر في الأصل ولذلك لم يجمعا .

{ يجعلون أصابعهم في آذانهم } الضمير لأصحاب الصيب وهو وإن حذف لفظه وأقيم الصيب مقامه لكن معناه باق ، فيجوز أن يعول عليه كما عول حسان في قوله :

يسقون من ورد البريص عليهم *** بردى يصفق بالرحيق السلسل

حيث ذكر الضمير لأن المعنى ماء بردى ، والجملة استئناف فكأنه لما ذكر ما يؤذن بالشدة والهول قيل فكيف حالهم مع مثل ذلك ؟ فأجيب بها ، وإنما أطلق الأصابع موضع الأنامل للمبالغة .

{ من الصواعق } متعلق بيجعلون أي من أجلها يجعلون ، كقولهم سقاه من العيمة . والصاعقة قصفة رعد هائل معها نار لا تمر بشيء إلا أتت عليه ، من الصعق وهو شدة الصوت ، وقد تطلق على كل هائل مسموع أو مشاهد ، يقال صعقته الصاعقة إذا أهلكته بالإحراق أو شدة الصوت ، وقرئ من " الصواقع " وهو ليس بقلب من الصواعق لاستواء كلا البناءين في التصرف يقال صقع الديك ، وخطيب مصقع ، وصقعته الصاقعة ، وهي في الأصل إما صفة لقصفة الرعد ، أو للرعد . والتاء للمبالغة كما في الرواية أو مصدر كالعافية والكاذبة . { حذر الموت } نصب على العلة كقوله :

وأغفر عوراء الكريم ادخاره *** وأصفح عن شتم اللئيم تكرما

والموت : زوال الحياة ، وقيل عرض يضادها لقوله : { خلق الموت والحياة } ، ورد بأن الخلق بمعنى التقدير ، والإعدام مقدرة .

{ والله محيط بالكافرين } لا يفوتونه كما لا يفوت المحاط به المحيط ، لا يخلصهم الخداع والحيل ، والجملة اعتراضية لا محل لها .