في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب  
{أَوۡ كَصَيِّبٖ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ فِيهِ ظُلُمَٰتٞ وَرَعۡدٞ وَبَرۡقٞ يَجۡعَلُونَ أَصَٰبِعَهُمۡ فِيٓ ءَاذَانِهِم مِّنَ ٱلصَّوَٰعِقِ حَذَرَ ٱلۡمَوۡتِۚ وَٱللَّهُ مُحِيطُۢ بِٱلۡكَٰفِرِينَ} (19)

1

ومثل آخر يصور حالهم ويرسم ما في نفوسهم من اضطراب وحيرة وقلق ومخافة :

( أو كصيب من السماء فيه ظلمات ورعد وبرق ، يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق حذر الموت . والله محيط بالكافرين . يكاد البرق يخطف أبصارهم كلما أضاء لهم مشوا فيه ، وإذا أظلم عليهم قاموا ، ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم . إن الله على كل شيء قدير ) . .

إنه مشهد عجيب ، حافل بالحركة ، مشوب بالاضطراب . فيه تيه وضلال ، وفيه هول ورعب ، وفيه فزع وحيرة ، وفيه أضواء وأصداء . . صيب من السماء هاطل غزير ( فيه ظلمات ورعد وبرق ) . . ( كلما أضاء لهم مشوا فيه ) . . ( وإذا أظلم عليهم قاموا ) . . أي وقفوا حائرين لا يدرون أين يذهبون . وهم مفزعون : ( يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق حذر الموت ) .

إن الحركة التي تغمر المشهد كله : من الصيب الهاطل ، إلى الظلمات والرعد والبرق ، إلى الحائرين المفزعين فيه ، إلى الخطوات المروعة الوجلة ، التي تقف عندما يخيم الظلام . . إن هذه الحركة في المشهد لترسم - عن طريق التأثر الإيحائي - حركة التيه والاضطراب والقلق والأرجحة التي يعيش فيها أولئك المنافقون . . بين لقائهم للمؤمنين ، وعودتهم للشياطين . بين ما يقولونه لحظة ثم ينكصون عنه فجأة . بين ما يطلبونه من هدى ونور وما يفيئون إليه من ضلال وظلام . . فهو مشهد حسي يرمز لحالة نفسية ؛ ويجسم صورة شعورية . وهو طرف من طريقة القرآن العجيبة في تجسيم أحوال النفوس كأنها مشهد محسوس .