الآية 19 [ وقوله تعالى ( أو كصبيب من السماء فيه ظلمات ){[264]} ، ثم ما ذكر من الظلمات يخرج على وجوه ثلاثة :
أحدها : ظلمات كفرهم بقلوبهم إذ{[265]} أظهروا الإيمان أولا
والثاني : المتشابه في القرآن ، وهو الذي تعلق به كثير من المشركين حتى نزل قوله ( فأما الذين في قلوبهم زيغ ) الآية [ آل عمران : 7 ] .
والثالث : ما في الإسلام من الشدائد والإفزاع من الجهاد والحدود وغير ذلك . وأمكن صرف الأول والأخير{[266]} إلى الفريقين الكافر والمنافق ، وصرف تأويل المتشابه إلى الكافر ؛ على أنا بينا أن لكل من ذلك حظا{[267]} ، ويدل آخر الآية ، وهو قوله : ( والله محيط بالكافرين ) على [ أن المثل لهم إلا ]{[268]} أن المنافق شريكهم في الكفر ، والله الموفق .
وجائز أن يكون المثل المضروب بالآية إنما هو للقوم الذين شهدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنهم كانوا قبل بعثه صنفين :
صنف : ينتحل الكتاب الذي هو{[269]} عندهم مما جاء به الرسل ، [ لكن أئمتهم ]{[270]} قد غيروا ما في كتبهم من دين الله وأحكامه حتى عطلوا{[271]} ذلك ، وأبدعوا غير الذي جاءت به الرسل من الدين والأحكام ؛ بين ذلك قوله : ( ولا تكونوا كالذين تفرقوا ) الآية [ آل عمران : 105 ] وقوله ( قد جاءكم رسولنا يبين لكم ) [ المائدة : 15 و 19 ] ]{[272]} وقوله : ( إن الذين فرقوا دينهم ) الآية [ الأنعام : 159 ] ومنهم من أبدع الكتاب ، ونسب إليهم كقوله : ( وإن منهم فريقا يلون ألسنتهم بالكتاب ) [ آل عمران : 78 ] الآية تبين ما ظهر من التفرق فيهم ومن القول في أنبيائهم وفي الله عز وجل .
ومعلوم أن دين الرسل واحد غير مختلف ، وبما كان من الفترة اندرست الكتب ، وذهب الرسوم{[273]} فصاروا في ظلمة الضلالة وحيرة الزيغ ، وتاهوا في سبيل الشيطان ، وانقطع من بين أظهرهم الأئمة الذين يوثق بهم في الدين بما ليس لأحد برهان يشهد له بالتمسك بسبيل الأنبياء والاعتصام بكتبهم ؛ إذ كلهم يدعي ذلك . وقد ظهر فيهم القول المختلف المتناقض الذي لا تحتمله الحكمة ولا يصبر{[274]} عليه العقل .
وصنف لا يحتمل{[275]} الكتاب ، ولا يؤمن بنبي من الأنبياء ، بل يعبدون الأوثان والنيران والأحجار وما يهوون مما لا يملك الضرر ولا النفع ، ولا لهم شرع ، بل هم حيارى لا يعرفون معبودا ، ولا يبصرون طريقا ، وليس فيهم من إذا فزعوا إليه دلهم على المحجة ، ولا أطلعهم على الحق ، بل هم في [ الضلالة تائهون ، وفي الظلمات متحيرون ]{[276]} .
فأحوج الفريقين جميعا ما حل بهم من الحيرة والتيه إلى من يشفيهم من داء الضلالة بنور الهدى ومن ظلمة الاختلاف بضياء{[277]} الائتلاف ، ويخرجهم من سبيل الشيطان إلى سبيل الله ، ويدلهم على معرفة المعبود الحق لئلا يتخذوا من دونه أربابا . فبعث إليهم عند شدة حاجتهم رسولا ، وأكرمهم بما أراهم من الآيات التي يعلمهم{[278]} أنه أنعم به عليهم ليستنقذهم من الضلالة إن هم أطاعوه / 5-ب/ وشكروا نعمة الله فكانوا كقوم بلوا بظلمات الليل والسحاب ، فتحيروا فيها بما حالت الظلمة بينهم وبين حاجاتهم ، وتعذر عليهم الوجه في وضع أقدامهم ، فتاهوا ، فدفعهم التيه إلى استيقاد النار ليبلغوا حوائجهم ، ويأمنوا العطب في وضع الأقدام ، وكقوم بلوا شدة الجوع والعطش لضيق الزمان وجدبه ، فاستغاثوا بمن يملك كشف ذلك عنهم ، فأغاثهم بالمطر .
ثم منهم من عرف نعمة من أنعم عليهم بالوقود وأغاثهم بالمطر ، فتلقوا نعمته بالشكر ، ، فنجوا بذلك مما{[279]} خشوا من الهلاك ، ووصلوا إلى حوائجهم بالنار والمطر . وذلك مثل من اتبع محمدا صلى الله عليه وسلم وعرف نعم الله ، وشكره . {[280]}
ومنهم من تلقى نور النار بالكفران والجعل المنعم به عليه [ ونسي ما كان عليه ]{[281]} ؛ وهو قوله ( وإذا مس الإنسان ضر ) [ الزمر : 8 و 49 ] : آيات فيها ذكر ما ثبت ، وقوله : ( وإذا مسكم الضر في البحر ) الآية [ الإسراء : 67 ] ، فأذهب الله نوره ؛ فلم{[282]} ينتفع بنور النار ، ولا وصل إلى حاجته التي بها يقضي . وذلك مثل الذين كفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم ؛ إنهم لم ينتفعوا به ، ولا قضوا حاجاتهم ، بل زادهم ذلك ظلمة وحيرة كمستوقد النار إذ ذهب بصره .
وكذلك قوم لبوا بالسلوك{[283]} في الطريق عند شدة الظلمة ، ولم يتلقوا النعمة بالشكر بالوجه{[284]} الذي جعل لهم [ لوضع أقدامهم ]{[285]} بنور البرق ، فأذهب [ الله ]{[286]} نوره ، وسكن لمعان البرق ، فعاد الغياث له هلاكا والمطر الذي [ هو رحمة ]{[287]} عليه بلاء . فمثله من كابر رسول الله صلى الله عليه وسلم واعترض على الاستماع إليه . ولا قوة إلا بالله .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.