فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{أَوۡ كَصَيِّبٖ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ فِيهِ ظُلُمَٰتٞ وَرَعۡدٞ وَبَرۡقٞ يَجۡعَلُونَ أَصَٰبِعَهُمۡ فِيٓ ءَاذَانِهِم مِّنَ ٱلصَّوَٰعِقِ حَذَرَ ٱلۡمَوۡتِۚ وَٱللَّهُ مُحِيطُۢ بِٱلۡكَٰفِرِينَ} (19)

{ كصيب } كمطر { السماء } كل ما علاك فأظلك

{ رعد } الصوت الذي يسمع من جهة السحاب { برق } الضوء المنبعث من السماء

{ يجعلون أصابعهم في آذانهم } يضعون أطراف أصابعهم ليسدوا بها آذانهم

{ الصواعق } الواقعات الشديدة من صوت الرعد أومن نار البرق والشهاب

{ محيط } لا يفوته شيء

{ أو كصيب من السماء فيه ظلمات ورعد وبرق يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق حذر الموت } تسع آيات سبقت بينت حقيقة المخادعين المنافقين ، وبعدها أربع ضرب الله في كل اثنين منها مثلا لحالتهم وصفتهم وقصتهم ، مضى المثل في الأول في الآيتين السابعة عشرة والثامنة عشرة ، ثم عطف عليه المثل الثاني ، { أو كصيب من السماء } أوحالهم كحال من سقط عليه المطر النازل من العلو ومن جهة السماء { فيه ظلمات ورعد وبرق } حين ينهمر الماء من السحاب يظلم الأفق ، ويحتجب الضوء ، ويحدث الرعد والبرق ، فنسمع الصوت القاصف ، ونشهد الضوء المتوهج اللامع الخاطف ؛ { يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق حذر الموت } يجعل المخادعون أناملهم وأطراف الأصابع السبابة منهم ، ويضعونها في آذانهم ليسدوها لكيلا يسمعوا صوت الصاعقة خشية أن يميتهم سماعه { والله محيط بالكافرين } فلن ينفعهم حذرهم ، لأن الكون كله في قبضته سبحانه ، فقدرته محيطة بكل مخلوق وبكل مقدور ، ولن يفلت منه أو يفوته أو يعجزه أحد ؛ ويكن اعتبار المثل مركبا وتشبيها لهيئة بهيئة فلا يلزم أن نقابل بين كل ما ذكر في المشبه به وبين كل ما ذكر في المشبه به وكأن المعنى : مثل المختالين في ممالأتهم لأهل الكفر وضيقهم بأهل الإسلام وحذرهم من علو كلمة الله مثلهم كصفة الذي يشهد المطر الخير النافع الذي يحيي الله به الأرض ويسقي به الخلق فلا يفرحون بنزوله ، ولا يتعرضون لبركته وإنما يخافون ما اقترن به ويحسبون كل صيحة عليهم كما وصفهم الله بقوله تعالى : { . . ولكنهم قوم يفرقون }{[158]} ، جبناء فزعون .


[158]:من سورة التوبة من الآية 56