معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَإِن كَانَ ذُو عُسۡرَةٖ فَنَظِرَةٌ إِلَىٰ مَيۡسَرَةٖۚ وَأَن تَصَدَّقُواْ خَيۡرٞ لَّكُمۡ إِن كُنتُمۡ تَعۡلَمُونَ} (280)

قوله تعالى : { وإن كان ذو عسرة } . يعني وإن كان الذي عليه الدين معسراً ، رفع الكلام باسم كان ولم يأت لها بخبر وذلك جائز في النكرة ، تقول : إن كان رجل صالح فأكرمه ، وقيل : كان بمعنى وقع ، وحينئذ لا يحتاج إلى خبر ، قرأ أبو جعفر عسرة بضم السين .

قوله تعالى : { فنظرة } . أمر في صيغة الخبر تقديره " فعليه نظرة " .

قوله تعالى : { إلى ميسرة } . قرأ نافع " ميسرة " بضم السين ، وقرأ الآخرون بفتحها وقرأ مجاهد " ميسرة " بضم السين مضافاً ، ومعناها اليسار والسعة .

قوله تعالى : { وأن تصدقوا } . أي تتركوا رؤوس أموالكم إلى المعسر .

قوله تعالى : { خير لكم إن كنتم تعلمون } . قرأ عاصم تصدقوا بتخفيف الصاد والآخرون بتشديدها .

أخبرنا الإمام أبو علي الحسين بن محمد القاضي ، أخبرنا أبو الطيب سهل بن محمد بن سليمان ، أخبرنا أبو العباس إسماعيل بن عبد الله الميكالي ، أخبرنا عبد الله بن أحمد بن موسى بن عبدان الحافظ ، أخبرنا أبو طاهر أحمد بن عمرو بن السرح ، أخبرنا ابن وهب عن جرير عن حازم عن أيوب عن يحيى ابن كثير عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه أنه كان يطلب رجلاً بحق ، فاختبأ منه فقال : ما حملك على ذلك ؟ قال : العسرة ، فاستحلفه على ذلك فحلف فدعا بصكه فأعطاه إياه وقال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " من أنظر معسراً ووضع عنه أنجاه الله من كرب يوم القيامة " .

أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أخبرنا أبو منصور محمد بن سمعان ، أخبرنا أبو جعفر محمد بن أحمد بن عبد الجبار الرياني ، أخبرنا حميد بن زنجويه ، أخبرنا عبيد الله بن موسى ، أخبرنا إسرائيل عن منصور عن ربعي عن ابن مسعود رضي الله عنهما قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم " إن الملائكة لتعلقت بروح رجل كان قبلكم فقالوا له : هل عملت خيراً قط ؟ قال : لا ، قالوا : تذكر ، قال : لا إلا أني رجل كنت أداين الناس فكنت آمر فتياني أن ينظروا المعسر ، ويتجاوزا عن المعسر ، قال الله تبارك وتعالى تجاوزوا عنه " .

أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أخبرنا أبو منصور السمعاني ، أخبرنا أبو جعفر الزياتي ، أخبرنا حميد بن زنجويه ، أخبرنا أحمد بن عبد الله ، أخبرنا زائدة عن عبد الملك بن عمير ، عن ربعي عن أبي اليسر قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول " من أنظر معسراً أو وضع عنه أظله الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله " .

فصل

في الدين وحسن قضائه وتشديد أمره

أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أخبرنا محمد بن يوسف ، أخبرنا محمد بن إسماعيل ، أخبرنا أبو الوليد ، أخبرنا شعبة ، أخبرنا سلمة بن كهيل قال : سمعت أبا سلمة بمنى يحدث عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلاً تقاضى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأغلظ له ، فهم أصحابه فقال : " دعوه فإن لصاحب الحق مقالاً ، واشتروا له بعيراً فأعطوه إياه ، قالوا : لا نجد إلا أفضل من سنه قال : اشتروه فأعطوه إياه فإن خياركم أحسنكم قضاء " .

أخبرنا أبو الحسن السرخسي ، أخبرنا زاهر بن أحمد السرخسي ، أخبرنا أبو إسحاق الهاشمي ، أخبرنا أبو مصعب عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " مطل الغني ظلم ، وإذا أتبع أحدكم على ملأ فليتبعه " .

أخبرنا عبد الوهاب بن محمد الخطيب ، أخبرنا عبد العزيز بن أحمد الخلال ، أخبرنا أبو العباس الأصم ، أخبرنا الربيع ، أخبرنا الشافعي ، أخبرنا إبراهيم ابن سعيد بن إبراهيم عن أبيه عن عمر بن أبي سلمة عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه " .

أخبرنا أبو الحسن السرخسي ، أخبرنا زاهر بن أحمد السرخسي ، أخبرنا أبو إسحاق الهاشمي ، أخبرنا أبو مصعب ، عن مالك عن يحيى بن سعيد ، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري ، عن عبد الله بن قتادة الأنصاري ، عن أبيه أنه قال : " جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، أرأيت إن قتلت في سبيل الله صابراً محتسباً ، مقبلاً غير مدبر ، يكفر الله عن خطاياي ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم فلما أدبر ناداه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أو أمر به فنودي ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف قلت ؟ فأعاد عليه قوله ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم إلا الدين ، كذلك قال جبريل " .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَإِن كَانَ ذُو عُسۡرَةٖ فَنَظِرَةٌ إِلَىٰ مَيۡسَرَةٖۚ وَأَن تَصَدَّقُواْ خَيۡرٞ لَّكُمۡ إِن كُنتُمۡ تَعۡلَمُونَ} (280)

{ وإن كان } المدين { ذو عسرة } لا يجد وفاء { فنظرة إلى ميسرة } وهذا واجب عليه أن ينظره حتى يجد ما يوفي به { وأن تصدقوا خير لكم إن كنتم تعلمون } إما بإسقاطها أو بعضها .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَإِن كَانَ ذُو عُسۡرَةٖ فَنَظِرَةٌ إِلَىٰ مَيۡسَرَةٖۚ وَأَن تَصَدَّقُواْ خَيۡرٞ لَّكُمۡ إِن كُنتُمۡ تَعۡلَمُونَ} (280)

ثم أمر الله - تعالى - الدائنين أن يصبروا على المدينين الذين لا يجدون ما يؤدون منه ديونهم فقال - تعالى - : { وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إلى مَيْسَرَةٍ } .

والعسرة : اسم من الإِعسار وهو تعذر الموجود من المال يقال : أعسر الرجل إذا صار إلى حالة العسرة وهي الحالة التي يتعسر فيها وجود المال .

والنظرة : اسم من الإِنظار بمعنى الإمهال . يقال : شنظره وانتظره وتنظره ، تأنى عليه وأمهله في الطلب .

والميسرة : مفعلة من اليسر الذي هو ضد الإِعسار . يقال : أيسر الرجل فهو موسر إذا اغتنى وكثر ماله وحسنت حاله .

والمعنى : وإن وجد مدين معسر فأمهلوه في أداء دينه إلى الوقت سالذي يتمكن فيه من سداد ما عليه من ديون ، ولا تكونوا كأهل الجاهلية الذين كان الواحد منهم إذا كان له دين على شخص وحل موعد الدين طالبه بشدة وقال له : إما أن تقضي وإما أن تربي أي تدفع زيادة على أصل الدين .

و ( كان ) هنا الظاهر أنها تامة بمعنى وجد أو حدث ، فتكتفى بفاعلها كسائر الأفعال . وقيل يجوز أن تكون ناقصة واسمها ضمير مستكن فيها يعود إلى المدين وإن لم يذكر وذلك على قراءة ( ذا عسرة ) بالنصب وقوله : ( فنظرة ) الفاء جواب الشرط . ونظرة خبر لمبتدأ محذوف أي فالأمر أو فالواجب أو مبتدأ محذوف الخبر أي فعليكم نظرة .

ثم حبب - سبحانه - إلى عباده التصدق بكل أو ببعض ما لهم من ديون على المدينين المعسرين فقال - تعالى - : { وَأَن تَصَدَّقُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ } .

أي : وأن تتركوا للمعسر كل أو بعض ما لكم عليه من ديون وتتصدقوا بها عليه ، فإن فعلكم هذا يكون أكثر ثواباً لكم من الأنظار .

وجواب الشرط في قوله : { إِن كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ } محذوف . أي إن كنتم تعلمون أن هذا التصدق خير لكم فلا تتباطؤا في فعله ، بل سارعوا إلى تنفيذه فإن التصدق بالدين على المعسر ثوابه جزيل عند الله - تعالى - .

وقد أورد بعض المفسرين جملة من الأحاديث النبوية التي تحض على إمهال المعسر ، والتجاوز عما عليه من ديون .

ومن ذلك ما أخرجه مسلم في صحيحه عن أبي قتادة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من نفس عن غريمه أو محا عنه كان في ظل العرش يوم القيامة " .

وروى الطبراني عن أسعد بن زرارة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من سره أن يظله الله يوم لا ظل إلا ظله فليسير مع معسر أو ليضع عنه " .

وروى الإِمام أحمد عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من أراد أن تستجاب دعوته وأن تكشف كربته فليفرج عن معسر " .