قوله تعالى : { قل إنما أعظكم } آمركم وأوصيكم بواحدة ، أي : بخصلة واحدة ، ثم بين تلك الخصلة فقال : { أن تقوموا لله } لأجل الله ، { مثنى } أي : اثنين اثنين ، { وفرادى } أي : واحداً واحد { ثم تتفكروا } جميعاً أي : تجتمعون فتنظرون وتتحاورون وتنفردون ، فتفكرون في حال محمد صلى الله عليه وسلم فتعلموا ، { ما بصاحبكم من جنة }أي : جنون ، وليس المراد من القيام القيام الذي هو ضد الجلوس ، وإنما هو قيام بالأمر الذي هو في طلب الحق ، كقوله : { وأن تقوموا لليتامى بالقسط } { إن هو } ما هو ، { إلا نذير لكم بين يدي عذاب شديد } قال مقاتل : تم الكلام عند قوله : ثم تتفكروا أي : في خلق السموات والأرض فتعلموا أن خالقها واحد لا شريك له ، ثم ابتدأ فقال : { ما بصاحبكم من جنة } .
القول في تأويل قوله تعالى : { قُلْ إِنّمَآ أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَن تَقُومُواْ لِلّهِ مَثْنَىَ وَفُرَادَىَ ثُمّ تَتَفَكّرُواْ مَا بِصَاحِبِكُمْ مّن جِنّةٍ إِنْ هُوَ إِلاّ نَذِيرٌ لّكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ } .
يقول تعالى ذكره : قل يا محمد لهؤلاء المشركين من قومك : إنما أعظكم أيّها القوم بواحدة وهي طاعة الله ، كما :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : إنّما أعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ قال : بطاعة الله .
وقوله : أنْ تَقُومُوا لِلّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى يقول : وتلك الواحدة التي أعظكم بها هي أن تقوموا لله اثنين اثنين ، وفُرادَى فُرادَى ، فإن في موضع خفض ترجمة عن الواحدة . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثني أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد أنْ تَقُومُوا لِلّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى قال : واحدا واثنين .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : قُلْ إنّمَا أعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أنْ تَقُومُوا لِلّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى رجلاً ورجلين . وقيل : إنما قيل : إنما أعظكم بواحدة ، وتلك الواحدة أن تقوموا لله بالنصيحة وترك الهوى . مَثْنَى يقول : يقوم الرجل منكم مع آخر فيتصادقان على المناظرة ، هل علمتم بمحمد صلى الله عليه وسلم جنونا قطّ ؟ ثم ينفرد كل واحد منكم ، فيتفكر ويعتبر فردا هل كان ذلك به ؟ فتعلموا حينئذٍ أنه نذير لكم .
وقوله : ثُمّ تَتَفَكّرُوا ما بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنّةٍ يقول : لأنه ليس بمجنون . وقوله إنْ هُوَ إلاّ نَذِيرٌ لَكُمْ بَينَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ يقول : ما محمد إلاّ نذير لكم ينذركم على كفركم بالله عقابه أمام عذاب جهنم قبل أن تَصْلَوْها ، وقوله : «هو » كناية اسم محمد صلى الله عليه وسلم .
{ قل إنما أعظكم بواحدة } أرشدكم وانصح لكم بخصلة واحدة هي ما دل عليه : { أن تقوموا لله } وهو القيام من مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أو الانتصاب في الأمر خالصا لوجه الله معرضا عن المراء والتقليد . { مثنى وفرادى } متفرقين اثنين اثنين وواحدا واحدا ، فإن الازدحام يشوش الخاطر وبخلط القول . { ثم تتفكروا } في أمر محمد صلى الله عليه وسلم وما جاء به لتعلموا حقيقته ، ومحله الجر على البدل أو البيان أو الرفع أو النصب بإضمار هو أعني . { ما بصاحبكم من جنة } فتعلموا ما به من جنون يحمله على ذلك ، أو استئناف منبه لهم على أن ما عرفوا من رجاحة عقله كاف في ترجيح صدقه ، فإنه لا يدعه أن يتصدى لادعاء أمر خطير وخطب عظيم من غير تحقق ووثوق ببرهان ، فيفتضح على رؤوس الأشهاد ويلقي نفسه إلى الهلاك ، فكيف وقد انضم إليه معجزات كثيرة . وقيل { ما } استفهامية والمعنى : ثم تتفكروا أي شيء به من آثار الجنون : { إن هو إلا نذير لكم بين يدي عذاب شديد } قدامه لأنه مبعوث في نسيم الساعة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.