لباب التأويل في معاني التنزيل للخازن - الخازن  
{۞قُلۡ إِنَّمَآ أَعِظُكُم بِوَٰحِدَةٍۖ أَن تَقُومُواْ لِلَّهِ مَثۡنَىٰ وَفُرَٰدَىٰ ثُمَّ تَتَفَكَّرُواْۚ مَا بِصَاحِبِكُم مِّن جِنَّةٍۚ إِنۡ هُوَ إِلَّا نَذِيرٞ لَّكُم بَيۡنَ يَدَيۡ عَذَابٖ شَدِيدٖ} (46)

قوله عز وجل { قل إنما أعظكم } أي آمركم وأوصيكم { بواحدة } أي بخصلة واحدة ثم بين تلك الخصلة فقال تعالى { أن تقوموا لله } أي لأجل الله { مثنى } أي اثنين { وفرادى } أي واحداً واحداً { ثم تتفكروا } أي تجتمعوا جميعاً فتنظروا وتتحاوروا وتتفكروا في حال محمد صلى الله عليه وسلم فتعلموا أن { ما بصاحبكم من جنة } ومعنى الآية إنما أعظكم بواحدة إن فعلتموها أصبتم الحق وتخلصتم وهي أن تقوموا لله وليس المراد به القيام على القدمين ولكن هو الانتصاب في الأمر والنهوض فيه بالهمة فتقوموا لوجه الله خالصاً ثم تتفكروا في أمر محمد صلى الله عليه وسلم وما جاء به أمان الاثنان فيتفكران ، ويعرض كل منهما محصول فكره على صاحبه لينظرا فيه نظر متصادقين متناصفين لا يميل بهما اتباع الهوى وأما الفرد فيفكر في نفسه أيضاً بعدل ونصفة هل رأينا في هذا الرجل جنوناً قط أو جربنا عليه كذباً قط وقد علمتم أن محمداً صلى الله عليه وسلم ما به من جنة بل قد علمتم أنه من أرجح قريش عقلاً وأوزنهم حلماً وأحدهم ذهناً وأرصنهم رأياً وأصدقهم قولاً وأزكاهم نفساً ، وأجمعهم لما يحمد عليه الرجال ويمدحونه به وإذا علمتم ذلك كفاكم أن تطالبوه بآية وإذا جاء بها تبين أنه نبي نذير مبين صادق فيما جاء به وقيل : تم الكلام عند قوله : تتفكروا أي في السموات والأرض فتعلموا أنه خالقها واحد لا شريك له ثم ابتدأ فقال ما بصاحبكم من جنة { إن هو إلا نذير لكم بين يدي عذاب شديد } .