غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{۞قُلۡ إِنَّمَآ أَعِظُكُم بِوَٰحِدَةٍۖ أَن تَقُومُواْ لِلَّهِ مَثۡنَىٰ وَفُرَٰدَىٰ ثُمَّ تَتَفَكَّرُواْۚ مَا بِصَاحِبِكُم مِّن جِنَّةٍۚ إِنۡ هُوَ إِلَّا نَذِيرٞ لَّكُم بَيۡنَ يَدَيۡ عَذَابٖ شَدِيدٖ} (46)

22

وبعد تقرير الأصول الثلاثة : التوحيد والرسالة والحشر كررها مجموعة بقوله { قل إنما أعظكم بواحدة } أي بخصلة أو حسنة أو كلمة واحدة وقد فسرها بقوله { أن تقوموا } على أنه عطف بيان لها . والقيام إما حقيقة وهو قيامهم عن مجلس النبيُّ متفرقين إلى أوطانهم . وإما مجاز وهو الاهتمام بالأمر والنهوض له بالعزم والجد . فقوله { مثنى وفرادى } إشارة إلى جميع الأحوال لأن الإنسان إما أن يكون مع غيره أو لا فكأنه قال : أن تقوموا لله مجتمعين ومنفردين لا تمنعكم الجمعية عن ذكر الله ولا يحوجكم الانفراد إلى معين يعينكم على ذكر الله . وقوله { ثم تتفكروا } يعني اعترفوا بما هو الأصل وهو التوحيد ولا حاجة فيه إلى تفكر ونظر بعدما بان وظهر ، ثم تتفكروا فيما أقول بعده ، وهو الرسالة المشار إليها بقوله { ما بصاحبكم من جنة } والحشر المشار إليه بقوله { بين يدي عذاب شديد } قيل : وفيه إشارة إلى عذاب قريب كأنه قال : ينذركم بعذاب يمسكم قبل الشديد . فمجموع الأمور الثلاثة شيء واحد ، أو المراد أنه لا يأمرهم في أوّل الأمر بغير التوحيد لأنه سابق على الكل لا أنه لا يأمرهم في جميع العمر إلا بشيء واحد . وعند جار الله : الخصلة الواحدة هي الفكر في أمر محمد صلى الله عليه وسلم والمعنى : إنما أعظكم بواحدة إن فعلتموها أصبتم الحق وهو أن تقوموا لوجه الله خالصاً متفرقين اثنين اثنين وواحداً واحداً ، فإن ما فوق الاثنين والواحد يوجب التشويش واختلاف الرأي فيعرض كل من الاثنين محصول فكره على صاحبه من غير عصبية ولا اتباع هوى ، وكذلك الفرد يفكر في نفسه بعدل ونصفه حتى يجذب الفكر بصنعه إلى أن هذا الأمر المستتبع لسعادة الدارين لا يتصدّى لادعائه إلا رجلان : مجنون لا يبالي بافتضاحه إذا طولب بالبرهان ، وعاقل اجتباه الله بسوابق الفضل والامتنان لتكميل نوع الإنسان . لكن محمداً صلى الله عليه وسلم بالاتفاق أرجح الناس عقلاً وأصدقهم قولاً وأوفرهم حياء وأمانة ، فما هو إلا النبيّ المنتظر في آخر الزمان المبعوث بين يدي عذاب شديد هو القيامة وأهوالها . وقوله { ما بصاحبكم } إما أن يكون كلاماً مستأنفاً فيه تنبيه على كيفية النظر في أمر النبيّ صلى الله عليه وسلم والمراد : ثم تتفكروا فتعلموا ذلك . وجوز بعضهم أن تكون " ما " استفهامية .

/خ54