تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{۞قُلۡ إِنَّمَآ أَعِظُكُم بِوَٰحِدَةٍۖ أَن تَقُومُواْ لِلَّهِ مَثۡنَىٰ وَفُرَٰدَىٰ ثُمَّ تَتَفَكَّرُواْۚ مَا بِصَاحِبِكُم مِّن جِنَّةٍۚ إِنۡ هُوَ إِلَّا نَذِيرٞ لَّكُم بَيۡنَ يَدَيۡ عَذَابٖ شَدِيدٖ} (46)

الآية 46 وقوله تعالى : { قل إنما أعظكم بواحدة } قال بعضهم : { بواحدة } أي بكلمة الإخلاص والتوحيد . وقال بعضهم : أي بطاعة الله . وقال بعضهم : { بواحدة } أي بكلمة واحدة كقول الرجل لصاحبه : أكلّمك كلمة واحدة ، واسمع مني كلمة ، لكن الواحدة التي وعظهم بها عندنا ما ذكر على إثره حين{[17087]} قال : { أن تقوموا لله } بها{[17088]} جميعا { مثنى وفرادى ثم تتفكّروا } وتنظروا في ما بينكم هل أرى منكم جنونا به قط ؟

وقال بعضهم : يريد بال { مثنى } أن يتناظر الرجلان في أمر النبي { وفرادى } [ أن يتفكر كل واحد ]{[17089]} فإن في ذلك ما يدل على أن النبي ليس بمجنون ولا كذّاب على ما يزعمون .

ثم كان الذي حملهم على أن ينسبوه إلى الجنون وجوها .

أحدهما : أنهم رأوه قد خالف الفراعنة والجبابرة الذين كانوا يقتلون من خالفهم على الغضب في أدنى شيء بلا أعوان ولا أتباع له ، فقالوا : لا يخاطر بهذا إلا من به جنون ، فنسبوه إلى الجنون .

والثاني : أنهم رأوه قد خالف دينهم ودين آبائهم جملة من بينهم ، فقالوا : لا يُحتمل أن يصيب [ أحد ديننا ]{[17090]} بعقله من بين الكل ، لا يصيب أحد ذلك . فاتهموه [ بجنون ]{[17091]} العقل .

والثالث : أنه كان في حال صغره وصباه ، لم يروه اشتغل بشيء من اللعب ، أو خالط الصبيان في شيء من أمورهم ، بل اعتزلهم من صباه إلى أوان{[17092]} الوقت الذي بلغ ، فقالوا : إن به جنونا ، وإلا لم يعتزل الناس كل هذا الاعتزال .

ثم أخبر أنكم لو تفكّرتم ، ونظرتم ، عرفتم{[17093]} أن ليس بصاحبكم جنون { إن هو } أي ما هو { إن هو إلا نذير لكم بين يدي عذاب شديد } في الآخرة ، إن عصيتم أي رسول الله إليكم { بين يدي عذاب شديد } في الآخرة ، إن عصيتم عوقبتم في الآخرة .

وقال بعضهم في قوله : { أن تقوموا لله مثنى وفرادى ثم تتفكّروا ما بصاحبكم من جِنّة } يقول ، والله أعلم ، ألا يتفكر الرجل منكم وحده أو مع صاحبه ، فينظر أن من{[17094]} خلق السماوات والأرض وما بينهما ، الذي خلق هذه الأشياء وحده ، أنه واحد ، لا شريك له ؟ وإن محمدا لصادق في قوله : إن الله واحد ، لا شريك [ له ]{[17095]} وما به جنون { إن هو إلا نذير لكم بين يدي عذاب شديد } .


[17087]:في الأصل وم: حيث.
[17088]:في الأصل وم: بهما.
[17089]:من نسخة الحرم المكي، في الأصل وم: أي تفكروا قط.
[17090]:في الأصل وم: دينا.
[17091]:ساقطة من الأصل وم.
[17092]:في الأصل وم: آن.
[17093]:أدرج قبلها في الأصل وم: ثم.
[17094]:في الأصل وم: في.
[17095]:ساقطة من الأصل وم.