النكت و العيون للماوردي - الماوردي  
{وَمَن يَهۡدِ ٱللَّهُ فَهُوَ ٱلۡمُهۡتَدِۖ وَمَن يُضۡلِلۡ فَلَن تَجِدَ لَهُمۡ أَوۡلِيَآءَ مِن دُونِهِۦۖ وَنَحۡشُرُهُمۡ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ عَلَىٰ وُجُوهِهِمۡ عُمۡيٗا وَبُكۡمٗا وَصُمّٗاۖ مَّأۡوَىٰهُمۡ جَهَنَّمُۖ كُلَّمَا خَبَتۡ زِدۡنَٰهُمۡ سَعِيرٗا} (97)

قوله عز وجل : { ومن يهد الله فهو المهتدِ } معناه من يحكم الله تعالى بهدايته فهو المهتدي بإخلاصه وطاعته .

{ ومن يضلل فلن تجد لهم أولياء من دونه } فيه وجهان :أحدهما : ومن يحكم بضلاله فلن تجد له أولياء من دونه في هدايته . الثاني : ومن يقض الله تعالى بعقوبته لم يوجد له ناصر يمنعه من عقابه .

{ ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم } فيه وجهان :أحدهما : أن ذلك عبارة عن الإسراع بهم إلى جهنم ، من قول العرب : قدم القوم على وجوههم إذا أسرعوا . الثاني : أنه يسحبون يوم القيامة على وجوههم إلى جهنم كمن يفعل في الدنيا بمن يبالغ في هوانه وتعذيبه .

{ عُمْياً وبكماً وصماً } فه وجهان :أحدهما : أنهم حشروا في النار عُمي الأبصار بُكم الألسن صُمّ الأسماع ليكون ذلك زيادة في عذابهم ، ثم أبصروا لقوله تعالى : { ورأى المجرمون النار فظنوا أنهم مواقعوها }[ الكهف : 53 ] وتكلموا لقوله تعالى : { دَعوا هنالك ثبوراً }[ الفرقان : 13 ] وسمعوا ، لقوله تعالى : { سمعوا لها تغيظاً وزفيراً }[ الفرقان : 12 ] . وقال مقاتل بن سليمان : بل إذا قال لهم{ اخسئوا فيها ولا تكلمُون }[ المؤمنون : 18 ] صاروا عمياً لا يبصرون ، صُمّاً لا يسمعون ، بكماً لا يفقهون . الثاني : أن حواسهم على ما كانت عليه ، ومعناه عمي عما يسرّهم ، بكم عن التكلم بما ينفعهم ، صم عما يمتعهم ، قاله ابن عباس والحسن . { مأواهم جهنم } يعني مستقرهم جهنم . { كلما خبت زدناهم سعيراً } فيه وجهان :أحدهما : كلما طفئت أوقدت ، قاله مجاهد . الثاني : كلما سكن التهابها زدناهم سعيراً والتهاباً ، قاله الضحاك . قال الشاعر{[1815]} :

وكُنّا كَالحَرِيقِ أَصَابَ غَاباً ***    فَيَخْبُو سَاعَةً ويَهُبُّ سَاعا

وسكون التهابها من غير نقصان في الآمهم ولا تخفيف من عذابهم .


[1815]:هو القطامي. وهذا البيت في اللسان (سدع).