معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي  
{فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِٱلۡجُنُودِ قَالَ إِنَّ ٱللَّهَ مُبۡتَلِيكُم بِنَهَرٖ فَمَن شَرِبَ مِنۡهُ فَلَيۡسَ مِنِّي وَمَن لَّمۡ يَطۡعَمۡهُ فَإِنَّهُۥ مِنِّيٓ إِلَّا مَنِ ٱغۡتَرَفَ غُرۡفَةَۢ بِيَدِهِۦۚ فَشَرِبُواْ مِنۡهُ إِلَّا قَلِيلٗا مِّنۡهُمۡۚ فَلَمَّا جَاوَزَهُۥ هُوَ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مَعَهُۥ قَالُواْ لَا طَاقَةَ لَنَا ٱلۡيَوۡمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِۦۚ قَالَ ٱلَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَٰقُواْ ٱللَّهِ كَم مِّن فِئَةٖ قَلِيلَةٍ غَلَبَتۡ فِئَةٗ كَثِيرَةَۢ بِإِذۡنِ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ مَعَ ٱلصَّـٰبِرِينَ} (249)

قوله تعالى : { فلما فصل طالوت بالجنود } . أي خرج بهم ، وأصل الفصل : القطع ، يعني قطع مستقره شاخصاً إلى غيره ، فخرج طالوت من بيت المقدس بالجنود ، وهم يومئذ سبعون ألف مقاتل وقيل : ثمانون ألفاً لم يتخلف عنه إلا كبير لهرمه ، أو مريض لمرضه ، أو معذور لعذره وذلك أنهم لما رأوا التابوت لم يشكو في النصر ، فتسارعوا إلى الجهاد ، فقال طالوت : لا حاجه لي في كل ما أرى ، لا يخرج معي رجل يبني بناء لم يفرغ منه ، ولا صاحب تجارة يشتغل بها ولا رجل عليه دين ، ولا رجل تزوج امرأة ولم يبن بها ، ولا يتبعني إلا الشباب النشيط الفارغ ، فاجتمع له ثمانون ألفا ممن شرطه ، وكان في حر شديد ، فشكوا قلة الماء بينهم وبين عدوهم فقالوا : إن المياه قليلة لت لا تحملنا ، فادع الله أن يجري لنا نهراً .

قوله تعالى : { قال } . طالوت .

قوله تعالى : { إن الله مبتليكم بنهر } . مختبركم ليرى طاعتكم وهو أعلم . بنهر ، قال ابن عباس والسدي : هو نهر فلسطين ، وقال قتادة . نهر بين الأردن وفلسطين عذب .

قوله تعالى : { فمن شرب منه فليس منه } . أي ليس من أهل ديني وطاعتي .

قوله تعالى : { ومن لم يطعمه } . لم يشربه .

قوله تعالى : { فإنه مني إلا من اغترف غرفة بيده } . قرأ أهل الحجاز وأبو عمرو " غرفة " بفتح الغين ، وقرأ الآخرون بضم الغين ، وهما لغتان ، قال الكسائي : " الغرفة " بالضم الذي يحصل في الكف من الماء إذا غرف ، و " الغرفة " : بالفتح الاغتراف فالضم اسم والفتح مصدر .

قوله تعالى : { فشربوا منه إلا قليلاً منهم } . نصب على الاستثناء ، واختلفوا في القليل الذين لم يشربوا ، فقال السدي : كانوا أربعة آلاف وقال غيره : ثلاثمائة وبضعة عشر ، وهو الصحيح لما أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنا محمد بن يوسف أنا محمد بن إسماعيل ، أنا عبد الله بن رجاء أنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن البراء قال : كنا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم نتحدث أن عدة أصحاب بدر على عدة أصحاب طالوت الذين جاوزوا معه النهر ولم يجاوزا معه إلا مؤمن ، وهم بضعة عشر وثلاثمائة . وروى ثلاثمائة وثلاثة عشر فلما وصلوا إلى النهر وقد ألقى الله عليهم العطش فشرب منه الكل إلا هذا العدد القليل فمن اغترف غرفة كما أمر الله قوي قلبه ، وصح إيمانه وعبر النهر سالماً ، وكفته تلك الغرفة الواحد لشربه وحمله وداوبه والذين شربوا وخالفوا أمر الله اسودت شفاههم ، وغلبهم العطش ، فلم يرووا . وبقوا على شط النهر وجنبوا عن لقاء العدو فلم يجاوزوا ، ولم يشهدوا الفتح . وقيل كلهم جاوزوا ، لكن لم يحضر القتال إلا الذين لم يشربوا .

قوله تعالى : { فلما جاوزه } . يعني النهر .

قوله تعالى : { هو } . يعني طالوت .

قوله تعالى : { والذين آمنوا معه } . يعني القليل .

قوله تعالى : { قالوا } . يعني الذين شربوا وخالفوا أمر الله وكانوا أهل شك ونفاق .

قوله تعالى : { لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده } . وقال ابن عباس رضي الله عنهما والسدي : فانحرفوا ولم يجاوزوا .

قوله تعالى : { قال الذين يظنون } . يستيقنون . ‌

قوله تعالى : { أنهم ملاقو الله } . وهم الذين ثبتوا مع طالوت .

قوله تعالى : { كم من فئة } . جماعة وهي جمع لا واحد له من لفظه ، وجمعه وفئات ، وفئون في الرفع ، وفئين في الخفض والنصب .

قوله تعالى : { قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله } . بقضائه وقدره وإرادته .

قوله تعالى : { والله مع الصابرين } . بالنصر والمعونة .