لطائف الإشارات للقشيري - القشيري  
{فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِٱلۡجُنُودِ قَالَ إِنَّ ٱللَّهَ مُبۡتَلِيكُم بِنَهَرٖ فَمَن شَرِبَ مِنۡهُ فَلَيۡسَ مِنِّي وَمَن لَّمۡ يَطۡعَمۡهُ فَإِنَّهُۥ مِنِّيٓ إِلَّا مَنِ ٱغۡتَرَفَ غُرۡفَةَۢ بِيَدِهِۦۚ فَشَرِبُواْ مِنۡهُ إِلَّا قَلِيلٗا مِّنۡهُمۡۚ فَلَمَّا جَاوَزَهُۥ هُوَ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مَعَهُۥ قَالُواْ لَا طَاقَةَ لَنَا ٱلۡيَوۡمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِۦۚ قَالَ ٱلَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَٰقُواْ ٱللَّهِ كَم مِّن فِئَةٖ قَلِيلَةٍ غَلَبَتۡ فِئَةٗ كَثِيرَةَۢ بِإِذۡنِ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ مَعَ ٱلصَّـٰبِرِينَ} (249)

الإشارة من هذه الآية أن الله سبحانه ابتلى الخَلْق بصحبة الخلْق وبالدنيا وبالنَّفس ، ومن كانت صحبته مع هذه الأشياء على حدِّ الاضطرار بمقدار القوام ، وما لا بد منه نجا وسَلِمَ ، ومن جاوز حد الاضطرار وانبسط في صحبته مع شيء من ذلك من الدنيا والنفس والخلْق بموجب الشهادة والاختيار - فليس من الله في شيء إنْ كان ارتكاب محظور ، وليس من هذه الطريق في شيء إن كان على جهة الفضيلة وماله منه بُدٌّ .

ثم قال جلّ ذكره : { فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ } .

كذلك الخواص في كل وقت يقل عددهم ولكن يجل قدرهم .

قوله جلّ ذكره : { فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لاَ طَاقَةَ لَنَا اليَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ } .

فنظروا إلى الحال بعين الظاهر فَدَاخَلَهم شيء من رعب البشرية ، فربط الله على قلوبهم بما ذكَرهم من نصرة الحق سبحانه لأوليائه إذا شاء .

قوله جلّ ذكره : { قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُوا اللهِ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بإِذْنِ اللهِ وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ } .

لا بهم ولكن بإذن الله ، بمشيئته وعونه ونصرته ، والله مع الصابرين بالنصرة والتأييد والقوة .