مدارك التنزيل وحقائق التأويل للنسفي - النسفي  
{فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِٱلۡجُنُودِ قَالَ إِنَّ ٱللَّهَ مُبۡتَلِيكُم بِنَهَرٖ فَمَن شَرِبَ مِنۡهُ فَلَيۡسَ مِنِّي وَمَن لَّمۡ يَطۡعَمۡهُ فَإِنَّهُۥ مِنِّيٓ إِلَّا مَنِ ٱغۡتَرَفَ غُرۡفَةَۢ بِيَدِهِۦۚ فَشَرِبُواْ مِنۡهُ إِلَّا قَلِيلٗا مِّنۡهُمۡۚ فَلَمَّا جَاوَزَهُۥ هُوَ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مَعَهُۥ قَالُواْ لَا طَاقَةَ لَنَا ٱلۡيَوۡمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِۦۚ قَالَ ٱلَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَٰقُواْ ٱللَّهِ كَم مِّن فِئَةٖ قَلِيلَةٍ غَلَبَتۡ فِئَةٗ كَثِيرَةَۢ بِإِذۡنِ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ مَعَ ٱلصَّـٰبِرِينَ} (249)

{ فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ } خرج { بالجنود } عن بلده إلى جهاد العدو و«بالجنود » في موضع الحال أي مختلطاً بالجنود وهم ثمانون ألفاً ، وكان الوقت قيظاً وسألوا أن يجري الله لهم نهراً { قَالَ إِنَّ الله مُبْتَلِيكُم } مختبركم أي يعاملكم معاملة المختبر { بِنَهَرٍ } وهو نهر فلسطين ليتميز المحقق في الجهاد من المعذر { فَمَن شَرِبَ مِنْهُ } كرعاً { فَلَيْسَ مِنّي } فليس من أتباعي وأشياعي { وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ } ومن لم يذقه من طعم الشيء إذا ذاقه { فَإِنَّهُ مِنّى } وبفتح الياء : مدني وأبو عمرو .

واستثنى { إِلا مَنِ اغترف } من قوله «فمن شرب منه فليس مني » والجملة الثانية في حكم المتأخرة عن الاستثناء إلا أنها قدمت للعناية { غُرْفَةً بِيَدِهِ } «غرفة » : حجازي وأبو عمرو بمعنى المصدر ، وبالضم بمعنى المغروف ومعناه الرخصة في اغتراف الغرفة باليد دون الكرع ، والدليل عليه { فَشَرِبُواْ مِنْهُ } أي فكرعوا { إِلاَّ قَلِيلاً مّنْهُمُ } وهم ثلثمائة وثلاثة عشر رجلاً { فَلَمَّا جَاوَزَهُ } أي النهر { هُوَ } طالوت { والذين ءامَنُواْ مَعَهُ } أي القليل { قَالُواْ لاَ طَاقَةَ لَنَا اليوم } أي لا قوة لنا { بِجَالُوتَ } هو جبار من العمالقة من أولاد عمليق بن عاد وكان في بيضته ثلثمائة رطل من الحديد { وَجُنودِهِ قَالَ الذين يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُلاَقُواْ الله } يوقنون بالشهادة . قيل : الضمير في «قالوا » للكثير الذين انخذلوا والذين يظنون هم القليل الذين ثبتوا معه . وروي أن الغرفة كانت تكفي الرجل لشربه وإداوته والذين شربوا منه اسودت شفاههم وغلبهم العطش { كَم مّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ } «كم » خبرية وموضعها رفع بالابتداء { غَلبَت } خبرها { فِئَةٍ كَثِيرَةً بِإِذْنِ الله } بنصره { والله مَعَ الصابرين } بالنصر .