نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{وَيَجۡعَلُونَ لِلَّهِ مَا يَكۡرَهُونَۚ وَتَصِفُ أَلۡسِنَتُهُمُ ٱلۡكَذِبَ أَنَّ لَهُمُ ٱلۡحُسۡنَىٰۚ لَا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ ٱلنَّارَ وَأَنَّهُم مُّفۡرَطُونَ} (62)

ولما كان ما تقدم أمارة على كراهتهم لما نسبوه إلى الله تعالى ، أتبعه التصريح بعد التلويح بقوله تعالى : { ويجعلون لله } ، أي ، وهو الملك الأعظم { ما يكرهون } ، أي : لأنفسهم ، من البنات والأموال والشركاء في الرئاسة ، ومن الاستخفاف برسلهم وجنودهم والتهاون برسالاتهم ، ثم وصف جراءتهم مع ذلك ، الكائنة في محل الخوف ، المقتضية لعدم التأمل اللازم لعدم العقل فقال : { وتصف } ، أي : تقول معتقدة مع القول الصفاء ، ولما كان قولاً لا حقيقة له بوحه ، أسنده إلى اللسان فقال : { ألسنتهم } ، أي : مع ذلك ، مع أنه قول لا ينبغي أن يتخيله عاقل ، { الكذب } ، ثم بينه بقوله : { أن لهم الحسنى } ، أي عنده ، ولا جهل أعظم ، ولا حكم أسوأ ، من أن تقطع بأن من تجعل له ما تكره ، يجعل لك ما تحب ، فكأنه قيل : فما لهم عنده ؟ فقيل : { لا جرم } ، أي : لا ظن ولا تردد في { أن لهم النار } ، التي هي جزاء الظالمين ، { وأنهم مفرطون * } ، أي : مقدمون ، معجلون إليها بتقديم من يسوقهم وإعجاله لهم ؛ وقال الرماني : متروكون فيها ، من قول العرب : ما أفرطت ورائي أحداً ، أي ما خلفت ولا تركت ، وقرأ نافع بالتخفيف والكسر ، أي مبالغون في الإسراف والجراءة على الله .