نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{۞فَمَا لَكُمۡ فِي ٱلۡمُنَٰفِقِينَ فِئَتَيۡنِ وَٱللَّهُ أَرۡكَسَهُم بِمَا كَسَبُوٓاْۚ أَتُرِيدُونَ أَن تَهۡدُواْ مَنۡ أَضَلَّ ٱللَّهُۖ وَمَن يُضۡلِلِ ٱللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُۥ سَبِيلٗا} (88)

وإذ قد تحرر بما مضى أن المنافقين كفرة ، لا لبس في أمرهم ، وكشف سبحانه وتعالى الحكم في باطن أمرهم بالشفاعة وظاهره بالتحية ، وحذر من خالف ذلك بما أوجبته على نفسه حكمته من الجمع ليوم الفصل للحكم بالعدل ، وختم بأن الخبر عنهم وعن جميع ذلك صدق{[22228]} ؛ كان ذلك سبباً{[22229]} لجزم القول بشقاوتهم والإعراض عنهم والبعد عن الشفاعة فيهم ، والإجماع على ذلك من كل مؤمن وإن كان مبنى السورة على التواصل ، لأن ذلك إنما هو حيث لا يؤدي إلى مقاطعة أمر الله ، فقال تعالى مبكتاً لمن توقف عن الجزم بإبعادهم : { فما لكم } أيها المؤمنون{[22230]} { في المنافقين } أي أيّ{[22231]} شيء لكم من أمور الدنيا أو{[22232]} الآخرة في افتراقكم فيهم { فئتين } بعضكم يشتد عليهم وبعضكم يرفق بهم

ولما كان هذا ظاهراً في بروز الأمر المطاع بين القول بكفرهم وضحه{[22233]} بقوله ؛ { والله } أي والحال أن الملك الذي لا أمر لأحد معه { أركسهم } أي ردهم منكوسين مقلوبين { بما كسبوا } أي بعد إقرارهم بالإيمان من مثل هذه العظائم ، فاحذروا ذلك ولا تختلفوا في أمرهم بعد هذا البيان ؛ وفي عزوة أحد والتفسير من البخاري عن زيد بن ثابت رضي الله تعالى عنه قال : " لما خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى أحد رجع ناس ممن خرج{[22234]} معه ، وكان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فرقتين{[22235]} : فرقة تقول : نقاتلهم{[22236]} ، وفرقة تقول : لا نقاتلهم ، فنزلت : { فما لكم في المنافقين } - الآية ، وقال : إنها طيبة تنفي{[22237]} الذنوب وفي رواية :- كما تنفي النار خبث الفضة " انتهى . فالمعنى حينئذ : اتفقوا على أن تسيروا{[22238]} فيها بما ينزل عليكم في هذه الآيات .

ولما كان{[22239]} حال من يرفق بهم حال من يريد هدايتهم ، أنكر سبحانه وتعالى ذلك عليهم صريحاً لبت الأمر في كفرهم فقال { أتريدون } أي أيها المؤمنون { أن تهدوا{[22240]} } أي توجدوا الهداية في قلب { من أضل الله } أي وهو الملك الأعظم الذي لا يرد له أمر ، وهو معنى قوله : { ومن } أي والحال أنه من{[22241]} { يضلل الله } أي بمجامع أسمائه وصفاته { فلن تجد } أي أصلاً أيها المخاطب كائناً من كان { له سبيلاً * } أي إلى ما أضله عنه أصلاً ، والمعنى : إن كان رفقكم{[22242]} بهم رجاء هدايتهم فذلك أمر ليس إلا الله ، وإنما عليكم أنتم الدعاء ، فمن أجاب صار أهلاً للمواصلة ، ومن أبى صارت مقاطعته ديناً ، وقتله{[22243]} قربة ، والإغلاظ واجباً


[22228]:زيد بعده في ظ: لا يدانيه.
[22229]:من ظ ومد، وفي الأصل: سبب.
[22230]:زيد من ظ.
[22231]:زيد من مد.
[22232]:في ظ "و".
[22233]:في ظ: أوضحه.
[22234]:سقط من ظ.
[22235]:زيد من صحيح البخاري ـ باب غزوة أحد.
[22236]:من ظ ومد والصحيح، وفي الأصل: يقاتلهم.
[22237]:في ظ: تبقى.
[22238]:من مد، وفي الأصل: تصيروا، وفي ظ: يسيروا.
[22239]:سقط من ظ.
[22240]:من القرآن المجيد، وفي الأصول: تهتدوا.
[22241]:سقط من ظ.
[22242]:من ظ ومد، وفي الأصل: رفقكم ـ كذا.
[22243]:من ظ ومد، وفي الأصل: قتلته.