معاني القرآن للفراء - الفراء  
{۞فَمَا لَكُمۡ فِي ٱلۡمُنَٰفِقِينَ فِئَتَيۡنِ وَٱللَّهُ أَرۡكَسَهُم بِمَا كَسَبُوٓاْۚ أَتُرِيدُونَ أَن تَهۡدُواْ مَنۡ أَضَلَّ ٱللَّهُۖ وَمَن يُضۡلِلِ ٱللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُۥ سَبِيلٗا} (88)

وقوله : { فَما لَكُمْ فِي الْمُنافِقِينَ فِئَتَيْنِ . . . }

إنما كانوا تكلّموا في قوم هاجروا إلى المدينة من مكة ، ثم ضجِروا منها واستوخموها فرجعوا سرّا إلى مكة . فقال بعض المسلمين : إن لقيناهم قتلناهم وسلبناهم ، وقال بعض المسلمين : أتقتلون قوما على دينكم أن استوخموا المدينة ؛ فجعلهم الله منافقين ، فقال الله فما لكم مختلفين في المنافقين . فذلك قوله ( فئتين ) .

ثم قال تصديقا لنفاقهم { وَدُّوا لو تَكْفُرون كما كَفَروا } فنصب ( فئتين ) بالفعل ، تقول : مالك قائما ، كما قال الله تبارك وتعالى { فَما لِلّذِينَ كَفَروا قِبلك مُهْطِعِين } فلا تبالِ أكان المنصوب معرفة أو نكرة ؛ يجوز في الكلام أن تقول : مالك الناظرَ في أمرنا ، لأنه كالفعل الذي ينصب بكان وأظنّ وما أشبههما . وكل موضع صلحت فيه فَعَل ويفعل من المنصوب جاز نصب المعرفة منه والنكرة ؛ كما تنصب كان وأظنّ ؛ لأنهن نواقص في المعنى وإن ظننت أنهن تامات . ومثل مالِ ، ما بالُك ، وما شأنك . والعمل في هذه الأحرف بما ذكرت لك سهل كثير . ولا تقل : ما أمرُك القائمَ ، ولا ما خطبُك القائمَ ، قياسا عليهن ؛ لأنهن قد كثرن ، فلا يقاس الذي لم يستعمل على ما قد استعمل ؛ ألا ترى أنهم قالوا : أيش عندك ؟ ولا يجوز القياس على هذه في شيء من الكلام .

وقوله : { والله أَرْكَسَهُمْ بما كَسبوا } يقول : ردّهم إلى الكفر . وهي في قراءة عبد الله وأبىّ { واللَّه رَكَسَهم } .