فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{۞فَمَا لَكُمۡ فِي ٱلۡمُنَٰفِقِينَ فِئَتَيۡنِ وَٱللَّهُ أَرۡكَسَهُم بِمَا كَسَبُوٓاْۚ أَتُرِيدُونَ أَن تَهۡدُواْ مَنۡ أَضَلَّ ٱللَّهُۖ وَمَن يُضۡلِلِ ٱللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُۥ سَبِيلٗا} (88)

الاستفهام في قوله : { مَالَكُمْ } للإنكار ، واسم الاستفهام مبتدأ ، وما بعده خبره . والمعنى : أي شيء كائن لكم { فِى المنافقين } أي : في أمرهم وشأنهم حال كونكم { فِئَتَيْنِ } في ذلك . وحاصله الإنكار على المخاطبين أن يكون لهم شيء يوجب اختلافهم في شأن المنافقين . وقد اختلف النحويون في انتصاب فئتين ، فقال الأخفش ، والبصريون على الحال ، كقولك : مالك قائماً . وقال الكوفيون انتصابه على أنه خبر لكان ، وهي مضمرة ، والتقدير : فما لكم في المنافقين كنتم فئتين . وسبب نزول الآية ما سيأتي وبه يتضح المعنى . وقوله : { والله أَرْكَسَهُمْ } معناه ردّهم إلى الكفر { بِمَا كَسَبُوا } وحكى الفراء ، والنضر بن شميل ، والكسائي أركسهم وركسهم ، أي : ردّهم إلى الكفر ، ونكسهم ، فالركس والنكس : قلب الشيء على رأسه ، أو ردّ أوله إلى آخره ، والمنكوس المركوس ، وفي قراءة عبد الله بن مسعود وأبيّ { والله ركسهم } ومنه قول عبد الله بن رواحة :

اركسوا في فئة مظلمة *** كسواد الليل يتلوها فتن

والباء في قوله : { بِمَا } سببية ، أي أركسهم بسبب كسبهم ، وهو لحوقهم بدار الكفر . والاستفهام في قوله : { أَتُرِيدُونَ أَن تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ الله } للتقريع والتوبيخ ، وفيه دليل على أن من أضله الله لا تنجع فيه هداية البشر { إِنَّكَ لاَ تَهْدِى مَنْ أَحْبَبْتَ ولكن الله يَهْدِى مَن يَشَآء } [ القصص : 56 ] قوله : { وَمَن يُضْلِلِ الله فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً } أي : طريقاً إلى الهداية .

/خ91