معاني القرآن للفراء - الفراء  
{وَلَا جُنَاحَ عَلَيۡكُمۡ فِيمَا عَرَّضۡتُم بِهِۦ مِنۡ خِطۡبَةِ ٱلنِّسَآءِ أَوۡ أَكۡنَنتُمۡ فِيٓ أَنفُسِكُمۡۚ عَلِمَ ٱللَّهُ أَنَّكُمۡ سَتَذۡكُرُونَهُنَّ وَلَٰكِن لَّا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّآ أَن تَقُولُواْ قَوۡلٗا مَّعۡرُوفٗاۚ وَلَا تَعۡزِمُواْ عُقۡدَةَ ٱلنِّكَاحِ حَتَّىٰ يَبۡلُغَ ٱلۡكِتَٰبُ أَجَلَهُۥۚ وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ يَعۡلَمُ مَا فِيٓ أَنفُسِكُمۡ فَٱحۡذَرُوهُۚ وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٞ} (235)

وقوله { مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاء } الخِطبة مصدر بمنزلة الخِطْب ، وهو مثل قولك : إنه لحسن القِعدة والجِلسة ؛ يريد القعود والجلوس ، والخُطْبة مثل الرسالة التي لها أوّل وآخِر ، قال : سمعت بعض العرب [ يقول ] : اللهم ارفع عنا هذه الضُغْطة ، كأنه ذهب إلى أن لها أوّلا وآخِرا ، ولو أراد مرّة لقال : الضَغْطة ، ولو أراد الفعل لقال الضِغْطة ؛ كما قال المِشْية . وسمعت آخَر يقول : غلبني [ فلان ] على قُطْعةٍ لي من أرضى ؛ يريد أرضا مفروزة مثل القِطعة لم تُقسم ، فإذا أردت أنها قطعة من شيء [ قطع منه ] قلت : قِطْعة .

وقوله : { أَوْ أَكْنَنتُمْ } للعرب في أكننت الشيء إذا سترته لغتان : كننته وأكننته ، قال : وأنشدوني قول الشاعر :

ثلاثٌ من ثلاثِ قُدَامياتٍ *** من اللاتي تَكُنّ من الصَقِيع

وبعضهم [ يرويه ] تُكِنّ من أكننت . وأما قوله : " لؤلؤ مكنون " و " بَيْض مكنون " فكأنه مذهب للشيء يصان ، وإحداهما قريبة من الأخرى .

وقوله : { وَلَكِن لاَّ تُوَاعِدُوهُنَّ سِرّاً } يقول : لا يصفنَّ أحدكم نفسه في عِدَّتها بالرغبة في النكاح والإكثار منه . حدّثنا محمد بن الجهم قال حدّثنا الفرّاء قال حدّثني حِبَّان عن الكلبي عن أبى صالح عن ابن عباس أنه قال : السرُّ في هذا الموضع النكاح . وأنشد عنه بيت امرئ القيس :

ألا زعمت بَسْباسة اليوم أنني *** كبِرتُ وأَلاَّ يشهدَ السِرَّ أَمثالي

قال الفرّاء : ويرى أنه مما كنى الله عنه قال : " أو جاء احد منكم من الغائط " .