ثم ذكر أن الملائكة لا يملكون شيئاً من الشفاعة فقال عز وجل : { وَلاَ تَنفَعُ الشفاعة عِندَهُ } يعني : لا تنفع لأحد لا نبياً ولا ملكاً { إِلاَّ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ } أن يشفع لأحد من أهل التوحيد . قرأ نافع وابن كثير وابن عامر في إحدى الروايتين ، { إِلاَّ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ } بالنصب . يعني : حتى يأذن الله عز وجل له . قرأ الباقون . بالضم على فعل ما لم يسم فاعله . ومعناه : مثل الأول .
ثم أخبر عن خوف الملائكة أنهم إذا سمعوا الوحي خرّوا سجداً من مخافة الله عز وجل ، وكيف يعبدون من هذه حاله ، فذلك قوله : { حتى إِذَا فُزّعَ عَن قُلُوبِهِمْ } وذلك أن أهل السماوات لم يكونوا سمعوا صوت الوحي بين عيسى ومحمد عليهما السلام ، فسمعوا صوتاً كوقع الحديد على الصفا فخروا سجداً مخافة القيامة وذلك صوت الوحي . ويقال : صوت نزول جبريل عليه السلام فخروا سجداً مخافة القيامة فهبط جبريل عليه السلام على أهل كل سماء فذلك قوله : { حتى إِذَا فُزّعَ عَن قُلُوبِهِمْ } . وذكر عن بعض أهل اللغة أنه قال : إذا كانت { حتى } موصولة بإذا ، تكون بمعنى لما ، تقع موقع الابتداء كقوله عز وجل : { حتى إذا فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَاباً } [ المؤمنون : 77 ] كقوله : { حتى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِّن كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ } [ الأنبياء : 96 ] { وَلاَ تَنفَعُ الشفاعة عِندَهُ إِلاَّ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حتى إِذَا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمْ قَالُواْ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُواْ الحق وَهُوَ العلى الكبير } [ سبأ : 23 ] يعني : لما فزع عن قلوبهم . ومعناه : انجلاء الفزع عن قلوبهم ، فقاموا عن السجود ، وسأل بعضهم بعضاً { قَالُواْ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ } يعني : ماذا قال جبريل عليه السلام عن ربكم { قَالُواْ الحق } يعني : الوحي .
قال : حدّثنا الفقيه أبو الليث رحمه الله . قال : حدّثنا الخليل بن أحمد . قال : حدّثنا الدبيلي . قال : حدّثنا أبو عبد الله . قال : حدّثنا سفيان عن عمرو بن دينار عن عكرمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :
«إذَا قَضَى الله فِي السَّمَاءِ أمْراً ضَرَبَتِ المَلائِكَةُ بِأَجْنِحَتِهَا خَضَعَاناً لِقَوْلِهِ ، وَسُمِعَ لذلك صَوْتٌ كَأنَّهَا سلْسِلَةٌ عَلَى صَفْوَانٍ { فَإِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُواْ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ } قَالُوا : الذي قال { الحق } الَّذِي قَالَ : فَسِيحي الشَّيَاطِينُ بَعْضُهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ . فَإِذَا سَمِعَ الأَعْلَى مِنْهُمُ الْكَلِمَةَ ، رَمَى بِهَا إلَى الذي تَحْتَهُ وَرُبَّما أدْرَكَهُ الشِّهَابُ قَبْلَ أنْ يَنْبِذَهَا وَرُبَّمَا نَبَذَهَا قَبْلَ أنْ تُدْرِكَهُ ، فَيَنْبِذَهَا ، بَعْضُهُمْ إلَى بَعْضٍ حَتَّى تَنْتَهِيَ إلَى الأرض ، فَتُلْقَى عَلَى لِسَانِ الْكَاهِنِ وَالسَّاحِرِ ، فَيَكْذِبُ مَعَهَا مِائَةَ كِذْبَةٍ ، فَيُصَدِّقُ فَيَقُولُ ، ألَيْسَ قَدْ أخْبَرَ بِكَذَا وَكَذَا ، وَكَانَ حَقّاً وَهِيَ الْكَلِمَةُ الَّتِي سَمِعَ مِنَ السَّمَاءِ » قرأ ابن عامر { حتى إِذَا فُزّعَ } بنصب الفاء والزاي يعني : كشف الله الفزع . وقرأ الباقون : بضم الفاء على معنى ما لم يسم فاعله . وقرأ الحسن { حتى إِذَا فُزّعَ } بالواو والغين يعني : فرغ الفزع عن قلوبهم . وقراءة العامة بالزاي أي خفف عنها الفزع . وقال مجاهد : معناه حتى إذا كشف عنها الغطاء يوم القيامة ثم قال { وَهُوَ العلي الكبير } يعني : هو أعلى وأعظم وأجلّ من أن يوصف له شريك .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.