بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{وَلَا تَنفَعُ ٱلشَّفَٰعَةُ عِندَهُۥٓ إِلَّا لِمَنۡ أَذِنَ لَهُۥۚ حَتَّىٰٓ إِذَا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمۡ قَالُواْ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمۡۖ قَالُواْ ٱلۡحَقَّۖ وَهُوَ ٱلۡعَلِيُّ ٱلۡكَبِيرُ} (23)

ثم ذكر أن الملائكة لا يملكون شيئاً من الشفاعة فقال عز وجل : { وَلاَ تَنفَعُ الشفاعة عِندَهُ } يعني : لا تنفع لأحد لا نبياً ولا ملكاً { إِلاَّ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ } أن يشفع لأحد من أهل التوحيد . قرأ نافع وابن كثير وابن عامر في إحدى الروايتين ، { إِلاَّ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ } بالنصب . يعني : حتى يأذن الله عز وجل له . قرأ الباقون . بالضم على فعل ما لم يسم فاعله . ومعناه : مثل الأول .

ثم أخبر عن خوف الملائكة أنهم إذا سمعوا الوحي خرّوا سجداً من مخافة الله عز وجل ، وكيف يعبدون من هذه حاله ، فذلك قوله : { حتى إِذَا فُزّعَ عَن قُلُوبِهِمْ } وذلك أن أهل السماوات لم يكونوا سمعوا صوت الوحي بين عيسى ومحمد عليهما السلام ، فسمعوا صوتاً كوقع الحديد على الصفا فخروا سجداً مخافة القيامة وذلك صوت الوحي . ويقال : صوت نزول جبريل عليه السلام فخروا سجداً مخافة القيامة فهبط جبريل عليه السلام على أهل كل سماء فذلك قوله : { حتى إِذَا فُزّعَ عَن قُلُوبِهِمْ } . وذكر عن بعض أهل اللغة أنه قال : إذا كانت { حتى } موصولة بإذا ، تكون بمعنى لما ، تقع موقع الابتداء كقوله عز وجل : { حتى إذا فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَاباً } [ المؤمنون : 77 ] كقوله : { حتى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِّن كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ } [ الأنبياء : 96 ] { وَلاَ تَنفَعُ الشفاعة عِندَهُ إِلاَّ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حتى إِذَا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمْ قَالُواْ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُواْ الحق وَهُوَ العلى الكبير } [ سبأ : 23 ] يعني : لما فزع عن قلوبهم . ومعناه : انجلاء الفزع عن قلوبهم ، فقاموا عن السجود ، وسأل بعضهم بعضاً { قَالُواْ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ } يعني : ماذا قال جبريل عليه السلام عن ربكم { قَالُواْ الحق } يعني : الوحي .

قال : حدّثنا الفقيه أبو الليث رحمه الله . قال : حدّثنا الخليل بن أحمد . قال : حدّثنا الدبيلي . قال : حدّثنا أبو عبد الله . قال : حدّثنا سفيان عن عمرو بن دينار عن عكرمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :

«إذَا قَضَى الله فِي السَّمَاءِ أمْراً ضَرَبَتِ المَلائِكَةُ بِأَجْنِحَتِهَا خَضَعَاناً لِقَوْلِهِ ، وَسُمِعَ لذلك صَوْتٌ كَأنَّهَا سلْسِلَةٌ عَلَى صَفْوَانٍ { فَإِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُواْ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ } قَالُوا : الذي قال { الحق } الَّذِي قَالَ : فَسِيحي الشَّيَاطِينُ بَعْضُهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ . فَإِذَا سَمِعَ الأَعْلَى مِنْهُمُ الْكَلِمَةَ ، رَمَى بِهَا إلَى الذي تَحْتَهُ وَرُبَّما أدْرَكَهُ الشِّهَابُ قَبْلَ أنْ يَنْبِذَهَا وَرُبَّمَا نَبَذَهَا قَبْلَ أنْ تُدْرِكَهُ ، فَيَنْبِذَهَا ، بَعْضُهُمْ إلَى بَعْضٍ حَتَّى تَنْتَهِيَ إلَى الأرض ، فَتُلْقَى عَلَى لِسَانِ الْكَاهِنِ وَالسَّاحِرِ ، فَيَكْذِبُ مَعَهَا مِائَةَ كِذْبَةٍ ، فَيُصَدِّقُ فَيَقُولُ ، ألَيْسَ قَدْ أخْبَرَ بِكَذَا وَكَذَا ، وَكَانَ حَقّاً وَهِيَ الْكَلِمَةُ الَّتِي سَمِعَ مِنَ السَّمَاءِ » قرأ ابن عامر { حتى إِذَا فُزّعَ } بنصب الفاء والزاي يعني : كشف الله الفزع . وقرأ الباقون : بضم الفاء على معنى ما لم يسم فاعله . وقرأ الحسن { حتى إِذَا فُزّعَ } بالواو والغين يعني : فرغ الفزع عن قلوبهم . وقراءة العامة بالزاي أي خفف عنها الفزع . وقال مجاهد : معناه حتى إذا كشف عنها الغطاء يوم القيامة ثم قال { وَهُوَ العلي الكبير } يعني : هو أعلى وأعظم وأجلّ من أن يوصف له شريك .