النكت و العيون للماوردي - الماوردي  
{وَلَا تَنفَعُ ٱلشَّفَٰعَةُ عِندَهُۥٓ إِلَّا لِمَنۡ أَذِنَ لَهُۥۚ حَتَّىٰٓ إِذَا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمۡ قَالُواْ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمۡۖ قَالُواْ ٱلۡحَقَّۖ وَهُوَ ٱلۡعَلِيُّ ٱلۡكَبِيرُ} (23)

قوله عز وجل : { وَلاَ تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِندَهُ إلاَّ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ } حكى الفراء فيه وجهين :

أحدهما : حتى يؤذن له في الشفاعة .

الثاني : حتى يؤذن له فيمن يشفع له ، ووجدت الأول قول الكلبي والثاني قول مقاتل .

{ حَتَّى إذَا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمْ } فيه ستة تأويلات :

أحدها : معناه خلي عن قلوبهم الفزع ، قاله ابن عباس ، وقال قطرب : أخرج ما فيها من الخوف .

الثاني : كشف عن قلوبهم الغطاء يوم القيامة ، قاله مجاهد .

الثالث : أنهم الشياطين فزع عن قلوبهم ففارقوا ما كانوا عليه من إضلال أوليائهم ، قاله ابن زيد .

الرابع : أنهم دعوا فاستجابوا من قبورهم مأخوذ من الفزع الذي هو الدعاء والاستصراخ فسمي الداعي فزعاً والمجيب فزعاً . قال زهير :

إذا فزعوا طاروا إلى مستغيثهم *** طوال الرماح لا قصار ولا عُزْلُ

الخامس : أنهم الملائكة فزعوا عند سماع الوحي من الله تعالى لانقطاعه ما بين عيسى ومحمد عليهما السلام ، وكان لصوته صلصلة كوقع الحديد على الصفا ، فخرُّوا عنده سجوداً مخافة القيامة فسألوا فقالوا : ماذا قال ربكم ؟ قالوا : الحق أي الوحي ، وهذا معنى قول كعب .

السادس : وهو تأويل قراءة الحسن : حتى فرغ عن قلوبهم بالغين معجمة يعني فرغ ما فيها من الشك والشرك .

{ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ } أي قال لهم الملائكة : ماذا قال ربكم في الدنيا .

{ قَالُوا الْحَقَّ } يحتمل وجهين :

أحدهما : أن يجدوا ما وصفوه عن الله تعالى حقاً .

الثاني : أن يصدقوا بما قاله الله تعالى أنه حق .

{ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ } .