اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{هَلۡ فِي ذَٰلِكَ قَسَمٞ لِّذِي حِجۡرٍ} (5)

قوله : { هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِّذِى حِجْرٍ } .

قيل : «هل » على بابها من الاستفهام الذي معناه التقرير ، كقولك : ألم أنعم عليك إذا كنت قد أنعمت .

وقيل : المراد بذلك : التوحيد ، لما أقسم به وأقسم عليه ، والمعنى : بل في ذلك مقنع لذي حجر ، ومعنى «لذي حجر » : لذي لبٍّ وعقلٍ ؛ فقال الشاعر : [ الطويل ]

5192- وكَيْفَ يُرَجَّى أنْ تَتُوبَ وإنَّمَا *** يُرَجَّى مِنَ الفِتْيَانِ من كَانَ ذَا حِجْرِ{[60078]}

وقال أبو مالك : «لذِي حِجْرٍ » : أي : لذي ستر من الناس .

وقال الحسن : لذِي حِلْم .

قال الفراء : الكل يرجع إلى معنى واحد : لذي حِجْر ، ولذي عَقْل ولذي حِلْم ، ولذي ستر ، الكل بمعنى العقل .

وأصل الحِجْر : المنع ، يقال لمن ملك نفسه ومنعها إنه لذو حجر .

[ ومنه سمي الحجر : المنع ، لامتناعه بصلابته ، ومنه : حجر الحاكم على فلان أي : منعه من التصرف ، ولذلك سميت الحجرة حجرة ، لامتناع ما فيها بها ]{[60079]} .

وقال الفراء : العرب تقول : إنه لذو حجر إذا كان قاهراً لنفسه ضابطاً لها ، كأنه أخذ من قولك : حجرت على الرجل .

والمعنى : أن كلَّ ذلك دال على أن كل ما أقسم الله تعالى به من هذه الأشياء فيه دلائل وعجائب على التوحيد والربوبية ، فهو حقيق بأن يقسم به لدلالته على خالقه .

قال القاضي{[60080]} : وهذه الآية تدل على أن القسم واقع برب هذه الأمور ؛ لأن الآية دالة على أن هذه مبالغة في القسم ، والمبالغة لا تحصل إلا في القسم بالله تعالى ؛ ولأن النهي قد ورد بأن يحلف العاقل بغير الله تعالى .


[60078]:ينظر القرطبي 20/30.
[60079]:سقط من ب.
[60080]:ينظر: الفخر الرازي 31/150.