التسهيل لعلوم التنزيل، لابن جزي - ابن جزي  
{فَلَمَّا سَمِعَتۡ بِمَكۡرِهِنَّ أَرۡسَلَتۡ إِلَيۡهِنَّ وَأَعۡتَدَتۡ لَهُنَّ مُتَّكَـٔٗا وَءَاتَتۡ كُلَّ وَٰحِدَةٖ مِّنۡهُنَّ سِكِّينٗا وَقَالَتِ ٱخۡرُجۡ عَلَيۡهِنَّۖ فَلَمَّا رَأَيۡنَهُۥٓ أَكۡبَرۡنَهُۥ وَقَطَّعۡنَ أَيۡدِيَهُنَّ وَقُلۡنَ حَٰشَ لِلَّهِ مَا هَٰذَا بَشَرًا إِنۡ هَٰذَآ إِلَّا مَلَكٞ كَرِيمٞ} (31)

{ سمعت بمكرهن } أي : بقولهن وسماه مكرا لأنه كان في خفية ، وقيل : كانت قد استكتمتهن سرها فأفشينه عليها .

{ وأعتدت لهن متكأ } أي : أعتدت لهن ما يتكأ عليه من الفرش ونحوها ، وقيل : المتكأ طعام ، وقرئ في الشاذ متكا بسكون التاء وتنوين الكاف ، وهو الأترج وإعطاؤها السكاكين لهن يدل على أن الطعام كان مما يقطع بالسكاكين كالأترج ، وقيل : كان لحما .

{ وقالت اخرج عليهن } أمر ليوسف ، وإنما أطاعها لأنه كان مملوك زوجها . { أكبرنه } أي : عظمن شأنه وجماله وقيل : معنى : أكبرن : حضن ، والهاء للسكت ، وهذا بعيد جدا .

{ وقطعن أيديهن } أي : اشتغلن بالنظر إليه وبهتن من جماله حتى قطعن أيديهن وهن لا يشعرن كما يقطع الطعام .

{ حاش لله } معناه براءة وتنزيه أي : تنزيه لله وتعجب من قدرته على خلقه مثله ، وحاش في باب الاستثناء تخفض على أنها حرف ، وأجاز المبرد النصب بها على أن تكون فعلا ، وأما هنا قال أبو علي الفارسي : إنها فعل ، والدليل على ذلك من وجهين :

أحدهما : أنها دخلت على لام الخبر وهو اللام في قوله : { لله } ، ولا يدخل الحرف على حرف ، والآخر : أنها حذفت منها الألف على قراءة الجماعة والحروف لا يحذف منها شيء وقرأها أبو عمر بالألف على الأصل وإنما تحذف من الأفعال كقولك : لم يك ولا أدري : والفاعل ب{ حاش } ضمير يعود على يوسف تقديره بعد يوسف عن الفاحشة لخوف الله ، وقال الزمخشري : إن حاش وضع موضع المصدر كأنه قال : تنزيها ، ثم قال الله ليبين من ينزه قال : وإنما حذف منه التنوين مراعاة لأصله من الحرفية .

{ ما هذا بشرا } أخرجنه من البشر وجعلنه من الملائكة مبالغة في وصف الحسن .