الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{فَلَمَّا سَمِعَتۡ بِمَكۡرِهِنَّ أَرۡسَلَتۡ إِلَيۡهِنَّ وَأَعۡتَدَتۡ لَهُنَّ مُتَّكَـٔٗا وَءَاتَتۡ كُلَّ وَٰحِدَةٖ مِّنۡهُنَّ سِكِّينٗا وَقَالَتِ ٱخۡرُجۡ عَلَيۡهِنَّۖ فَلَمَّا رَأَيۡنَهُۥٓ أَكۡبَرۡنَهُۥ وَقَطَّعۡنَ أَيۡدِيَهُنَّ وَقُلۡنَ حَٰشَ لِلَّهِ مَا هَٰذَا بَشَرًا إِنۡ هَٰذَآ إِلَّا مَلَكٞ كَرِيمٞ} (31)

{ فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ } [ يوسف :31 ] ليحضُرْن . { وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَكَأً } : أي : أعَدَّتْ ويَسَّرت ما يُتَّكَأُ عليه من فُرُشٍ ووسَائِد وغَيْرِ ذلك ، وقرأ ابن عباس وغيره : «مُتْكاً » بضم الميم وسكون التاء وتنوين الكاف ، واختلف في معناها ، فقيل : هو الأُتْرُنْجَ ، وقيل : هو اسمٌ يعمُّ جميع ما يُقْطَعُ بالسِّكِّين ، وقولها : { اخرج عَلَيْهِنَّ } : أمر ليوسف ، وأطاعها بحسب المُلْك .

وقوله : { أَكْبَرْنَهُ } : معناه : أعظمنْهُ واستهولن جَمَاله ، هذا قولُ الجمهور .

{ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ } : أي : كَثَّرْنَ الحَزَّ فيها بالسَّكَاكين ، وقرأ أبو عمرو وحده : «حاشَى للَّهِ » ، وقرأ سائر السبعة : { حَاشَ لِلَّهِ } ، فمعنى «حَاشَ للَّهِ » : أي : حاشَى يوسُفَ ؛ لطاعته للَّه ، أو لمكانه من اللَّهِ أنْ يرمَى بِمَا رَمَيْتِهِ به ، أوْ يدعَى إِلى مثله ، لأَنَّ تلْكَ أفعال البشر ، وهو لَيْسَ منهم ، إِنما هو مَلَكٌ ، هكذا رتَّب بعضهم معنَى هذا الكلامِ على القراءَتَيْنِ ، وقرأ الحسنُ وغيره : «مَا هَذَا بَشَراً إِنْ هَذَا إِلاَّ مَلِكٌ كَرِيمٌ » بكسر اللام من «مَلِك » ؛ وعلى هذه القراءة ، فالكلامُ فصيحٌ : لَمَّا استعظمن حُسْنَ صورته ، قُلْنَ ما هذا مما يَصْلُح أنْ يكون عبداً بشَراً ، إِنْ هذا إِلا مما يَصْلُح أنْ يكون مَلِكاً كريماً .

( ت ) : وفي «صحيح مسلم » من حديث الإِسراء : ( ثُمَّ عُرِجَ بِنَا إِلَى السَّمَاءِ الثَّالِثَةِ ، فَفُتِحَ لَنَا ، فَإِذَا بِيُوسُفَ صلى الله عليه وسلم ، وإِذَا هُوَ قَدْ أُعْطِيَ شَطْرَ الحُسْنِ ، فَرَحَّبَ بِي ، وَدَعَا لِي بِخَيْرٍ ) انتهى .