التسهيل لعلوم التنزيل، لابن جزي - ابن جزي  
{أَمۡ حَسِبَ ٱلَّذِينَ ٱجۡتَرَحُواْ ٱلسَّيِّـَٔاتِ أَن نَّجۡعَلَهُمۡ كَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ سَوَآءٗ مَّحۡيَاهُمۡ وَمَمَاتُهُمۡۚ سَآءَ مَا يَحۡكُمُونَ} (21)

{ أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا } : { أم } هنا للإنكار ، و{ اجترحوا } اكتسبوا ، والمراد ب{ الذين اجترحوا السيئات } الكفار لمقابلته بالذين آمنوا ، ولأن الآية مكية : وقد يتناول لفظها المذنبين من المؤمنين ، ولذلك يذكر أن الفضيل بن عياض قرأها بالليل فما زال يرددها ويبكي طول الليل ويقول لنفسه : من أي الفريقين أنت ، ومعناها : إنكار ما حسبه الكفار من أن يكونوا هم والمؤمنون سواء في المحيا والممات ، وفي تأويلها مع ذلك قولان :

أحدهما : أن المراد ليس المؤمنون سواء مع الكفار لا في المحيا ولا في الممات ، فإن المؤمنين عاشوا على التقوى والطاعة ، والكفار عاشوا على الكفر والمعصية وكذلك ملتهم ليست سواء . والقول الآخر : أنهم استووا في المحيا في أمور الدنيا من الصحة والرزق فلا يستوون في الممات ، بل يسعد المؤمنون ويشقى الكافرون ، فالمراد بها إثبات الجزاء في الآخرة وتفضيل المؤمنين على الكافرين في الآخرة ، وهذا المعنى هو الأظهر والأرجح فيكون معنى الآية كقوله : { أفنجعل المسلمين كالمجرمين } [ القلم : 35 ] وكقوله : { أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار } [ ص : 28 ] .

{ سواء محياهم ومماتهم } هذه الجملة بدل من الكاف في قوله : ك{ الذين آمنوا } وهي مفسرة للتشبيه ، وهي داخلة فيما أنكره الله مما حسبه الكفار وقيل : هي كلام مستأنف ؛ والمعنى على هذا أن محيا المؤمنين ومماتهم سواء وأن محيا الكفار ومماتهم سواء ؛ لأن كل واحد يموت على ما عاش عليه ، وهذا المعنى على هذا بعيد ، والصحيح أنها من تمام ما قبلها على المعنى الذي اخترناه ، وأما إعرابها فمن قرأ سواء بالرفع فهو مبتدأ وخبره محياهم ومماتهم والجملة بدل من الجار والمجرور الواقع مفعولا ثانيا لنجعل ، ومن قرأ سواء بالنصب فهو حال أو مفعول ثان لنجعل ، ومحياهم فاعل بسواء ، لأنه في معنى مستو .

{ ساء ما يحكمون } أي : ساء حكمهم في تسويتهم بين أنفسهم وبين المؤمنين .