فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{أَمۡ حَسِبَ ٱلَّذِينَ ٱجۡتَرَحُواْ ٱلسَّيِّـَٔاتِ أَن نَّجۡعَلَهُمۡ كَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ سَوَآءٗ مَّحۡيَاهُمۡ وَمَمَاتُهُمۡۚ سَآءَ مَا يَحۡكُمُونَ} (21)

{ أَمْ حَسِبَ الذين اجترحوا السيئات } أم هي المنقطعة المقدرة ببل ، والهمزة وما فيها من معنى بل للانتقال من البيان الأول إلى الثاني ، والهمزة لإنكار الحسبان ، والاجتراح الاكتساب ومنه الجوارح ، وقد تقدّم في المائدة ، والجملة مستأنفة ؛ لبيان تباين حالي المسيئين والمحسنين ، وهو معنى قوله : { أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات } أي نسوّي بينهم مع اجتراحهم السيئات ، وبين أهل الحسنات { سَوَاء محياهم ومماتهم } في دار الدنيا وفي الآخرة ، كلا لا يستوون ، فإن حال أهل السعادة فيهما غير حال أهل الشقاوة .

وقيل المراد إنكار أن يستووا في الممات ، كما استووا في الحياة . قرأ الجمهور : { سَوَاءٌ } بالرفع على أنه خبر مقدّم ، والمبتدأ محياهم ومماتهم والمعنى : إنكار حسبانهم أن محياهم ومماتهم ، سواء . وقرأ حمزة ، والكسائي ، وحفص { سَوَاءً } بالنصب على أنه حال من الضمير المستتر في الجار والمجرور في قوله : { كالذين آمَنُواْ } أو على أنه مفعول ثان لحسب ، واختار قراءة النصب أبو عبيد ، وقال معناه : نجعلهم سواء ، وقرأ الأعمش ، وعيسى بن عمر ( مماتهم ) بالنصب على معنى سواء في محياهم ومماتهم ، فلما سقط الخافض انتصب ، أو على البدل من مفعول نجعلهم بدل اشتمال { سَاء مَا يَحْكُمُونَ } أي ساء حكمهم هذا الذي حكموا به .

/خ26