ثم قال تعالى : { أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات } ، أي : أيحسب الكفار بالله عز وجل المكتسبون{[62521]} الكبائر أن يكونوا كالمؤمنين بالله عز وجل المجتنبين الكبائر .
ويدل على أن المراد بالمكتسبين{[62522]} السيئات في هذه الآية الكفار قوله : ( كالذين آمنوا وعملوا الصالحات ) . فذكر الإيمان مع العمل ، ولو كانوا مؤمنين لقال : كالذين عملوا{[62523]} الصالحات ولم يذكر الإيمان .
ثم قال : { سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون } .
قال مجاهد معناه : إن المؤمن يموت على إيمانه ويبعث على إيمانه والكافر يموت على كفره ويبعث عليه{[62524]} . وقال أبو الدرداء : ( يبعث الناس على ما ماتوا عليه ){[62525]} .
هذا معنى قراءة من رفع ( سواء ){[62526]} فجعله{[62527]} مبتدأ ( ومحياهم ) خبر ، ومماتهم عطف على ( محياهم ){[62528]} .
وإنما حَسُنَ الرفع في ( سواء ) ( لأن الفعل ){[62529]} قد استوفى مفعوليه فارتفع ( سواء ) على الابتداء ، كما قيل ( سواء العاكف فيه والبادي ){[62530]} .
وإنما اختير الرفع في ( سواء ) لأنه اسم في معنى المصدر فلم يحسن جريه على الأول فارتفع بالابتداء إذ الفعل قد تعدى إلى مفعوليه .
ولو كان في موضع ( سواء ) مستو لحسن النصب لأنه يجري على الأول{[62531]} ، فينصب مع المعرفة على الحال وهذا هو الاختيار عند سيبويه وجميع النحويين .
ويجوز النصب عند سيبويه وغيره كما أجاز : مررت برجل سواء عليه الخير والشر ، فإذا نصبت على الحال ، إذ قبله معرفة{[62532]} .
فكما جاز أن يكون صفة للنكرة جاز أن يكون حالا للمعرفة وهو بعيد ، لأن الأسماء التي ليست بجارية على الفعل ، الرفع الاختيار فيها عند النحويين{[62533]} إذا رفعت ظاهرا بعدها{[62534]} .
وبالنصب قرأ حفص{[62535]} وحمزة والكسائي{[62536]} على الحال من الهاء{[62537]} والميم في ( نجعلهم ) .
وقرأ الأعمش { سواء محياهم ومماتهم } بالنصب في ذلك كله{[62538]} ينصب{[62539]} ( سوا ) على الحال ، وينصب{[62540]} ( محياهم ومماتهم ) على تقدير في محياهم ومماتهم كأنه يجعله ظرفا .
ويجوز أن يكون { محياهم ومماتهم } بدلا من الهاء والميم في { نجعلهم } فيصير المعنى : ( أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعل محياهم ومماتهم سواء ){[62541]} ، أي كمحيى{[62542]} الذين آمنوا ومماتهم{[62543]} . والوقف على ( الصالحات ) حسن عند نافع{[62544]} وأبي عبيدة على قراءة من رفع .
وقال غيرهما : من نصب سواء وقف عليه . وهو بعيد لا وجه له ، لأن ( محياهم ) مرتفع ( بسواء ){[62545]} . والتمام عند الأخفش : ( ومماتهم ) وعند غيره ( يحكمون ){[62546]} .
ومعنى ( ساء ما يحكمون ) : ( بيس الحكم يحكمون إن حسبوا ذلك وظنوه .
و( ما ) في موضع رفع إن جعلتها{[62547]} معرفة . وفي موضع نصب على البيان إن جعلتها نكرة{[62548]} .
قال مجاهد في معنى الآية : محيى المسلمين ومماتهم ، كلاهما محمود ، ومحيى الكفار ومماتهم مذموم ، فلا يستويان{[62549]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.