الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{أَمۡ حَسِبَ ٱلَّذِينَ ٱجۡتَرَحُواْ ٱلسَّيِّـَٔاتِ أَن نَّجۡعَلَهُمۡ كَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ سَوَآءٗ مَّحۡيَاهُمۡ وَمَمَاتُهُمۡۚ سَآءَ مَا يَحۡكُمُونَ} (21)

وقوله سبحانه : { أَمْ حَسِبَ الذين اجترحوا السيئات } قيل : إنَّ الآية نزلَتْ بسبب افتخار كان للكُفَّارِ على المؤمنين ، قالوا : لَئِنْ كَانَتْ آخِرَةٌ ، كما تزعمون ، لَنُفَضَّلَنَّ عليكم فيها ، كما فُضِّلْنَا في الدُّنْيَا ، و{ اجترحوا } معناه : اكتسبوا ، وهذه الآية متناولة بلفظها حالَ العُصَاةِ من حال أهل التقوى ، وهي موقف للعارفين يَبْكُونَ عنده . ورُوِيَ عن الرَّبِيعِ بْنِ خَيْثَمٍ ، أَنَّهُ كانَ يُرَدِّدُهَا ليلةً حتَّى أَصْبَحَ ، وكذلك عن الفُضَيْلِ بْنِ عِيَاضٍ ، وكان يقول لنفسه : لَيْتَ شِعْرِي ! مِنْ أيِّ الفَرِيقَيْنِ أَنْتَ ؟ وقال الثعلبيُّ : كانت هذه الآية تُسَمَّى مَبْكَاةَ العابدين " قال ( ع ) : وأَمَّا لفظها فيعطى أَنَّه اجتراحُ الكُفْرِ ، بدليل معادلته بالإِيمان ، ويحتمل أَنْ تكونَ المعادلة بَيْنَ الاِجتراحِ وَعَمَلِ الصالحات ، ويكونَ الإيمانُ في الفريقَيْنِ ، ولهذا بكى الخائفون رضي اللَّه عنهم .

( ت ) : وروى ابن المبارك في «رقائقه » بسنده ؛ أَن تَمِيماً الدَّارِيَّ رضي اللَّه عنه باتَ ليلةً إلى الصَّبَاحِ ، يَرْكَعُ وَيَسْجُدُ ، وَيُرَدِّدُ هذه الآية : { أَمْ حَسِبَ الذين اجترحوا السيئات } الآية ، ويبكي رضي اللَّه عنه ، انتهى .

وقوله : { سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ } : ( ما ) مصدريةٌ ، والتقدير : ساء الحُكْمُ حْكْمُهُم .