التسهيل لعلوم التنزيل، لابن جزي - ابن جزي  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تُحِلُّواْ شَعَـٰٓئِرَ ٱللَّهِ وَلَا ٱلشَّهۡرَ ٱلۡحَرَامَ وَلَا ٱلۡهَدۡيَ وَلَا ٱلۡقَلَـٰٓئِدَ وَلَآ ءَآمِّينَ ٱلۡبَيۡتَ ٱلۡحَرَامَ يَبۡتَغُونَ فَضۡلٗا مِّن رَّبِّهِمۡ وَرِضۡوَٰنٗاۚ وَإِذَا حَلَلۡتُمۡ فَٱصۡطَادُواْۚ وَلَا يَجۡرِمَنَّكُمۡ شَنَـَٔانُ قَوۡمٍ أَن صَدُّوكُمۡ عَنِ ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِ أَن تَعۡتَدُواْۘ وَتَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلۡبِرِّ وَٱلتَّقۡوَىٰۖ وَلَا تَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلۡإِثۡمِ وَٱلۡعُدۡوَٰنِۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَۖ إِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلۡعِقَابِ} (2)

{ لا تحلوا شعائر الله } قيل : هي مناسك الحج ، كان المشركون يحجون ويعتمرون ، فأراد المسلمون أن يغيروا عليهم ، فقيل لهم : لا تحلوا شعائر الله : أي : لا تغيروا عليهم ولا تصدوهم وقيل : هي الحرم ، وإحلاله الصيد فيه ، وقيل : هي ما يحرم على الحاج من النساء والطيب والصيد وغير ذلك ، وإحلاله فعله .

{ ولا الشهر الحرام } قيل : هو جنس الأشهر الحرام الأربعة ، وهي رجب وذو القعدة ، وذو الحجة ، والمحرم ، وقيل : أشهر الحج ، وهي : شوال ، وذو القعدة وذو الحجة ، وإحلالها هو القتال فيها وتغيير حالها .

{ ولا الهدي } هو ما يهدي إلى البيت الحرام من الأنعام ويذبح تقربا إلى الله فنهى الله أن يستحل بأن يغار عليه أو يصد عن البيت { ولا القلائد } قيل : هي التي تعلق في أعناق الهدي ، فنهى عن التعرض لها ، وقيل : أراد ذوات القلائد من الهدي وهي البدن وجددها بالذكر بعد دخولها في الهدى اهتماما بها وتأكيدا لأمرها .

{ ولا آمين البيت الحرام } أي : قاصدين إلى البيت لحج أو عمرة ونهى الله عن الإغارة عليهم أو صدهم عن البيت ونزلت الآية على ما قال السهيلي بسبب الحكم البكري واسمه شريح بن ضبيعة " أخذته خيل رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقصد إلى الكعبة ليعتمر " ، وهذا النهي عن إحلال هذه الأشياء : عام في المسلمين والمشركين ، ثم نسخ النهي عن قتال المشركين بقوله :{ اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم }[ التوبة :5 ] ، وبقوله :{ فلا يقربوا المسجد الحرام }[ التوبة :28 ] ، وبقوله :{ ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله }[ التوبة :17 ] .

{ يبتغون فضلا من ربهم ورضوانا } الفضل : الربح في التجارة ، والرضوان : الرحمة في الدنيا والآخرة { وإذا حللتم فاصطادوا } أي : إذا حللتم من إحرامكم بالحج فاصطادوا إن شئتم ، فالأمر هنا إباحة بإجماع .

{ ولا يجرمنكم شنآن قوم أن صدوكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا } معنى { لا يجرمنكم } لا يكسبنكم ، يقال : جرم فلان وفلانا هذا الأمر إذا أكسبه إياه وحمله عليه ، والشنآن : هو البغض والحقد ، ويقال : بفتح النون وإسكانها ، و{ أن صدوكم } : مفعول من أجله ، و{ أن تعتدوا } : مفعول ثان ليجرمنكم ، ومعنى الآية : لا تحملنكم عداوة قوم على أن تعتدوا عليهم من أجل أن صدوكم عن المسجد الحرام ، ونزلت عام الفتح حين ظفر المسلمون بأهل مكة فأرادوا أن يستأصلوهم بالقتل لأنهم كانوا قد صدوهم عن المسجد الحرام عام الحديبية ، فنهاهم الله عن قتلهم ، لأن الله علم أنهم يؤمنون .

{ وتعاونوا على البر والتقوى } وصية عامة ، والفرق بين البر والتقوى أن البر عام في فعل الواجبات والمندوبات وترك المحرمات ، وفي كل ما يقرب إلى الله . والتقوى في الواجبات وترك المحرمات دون فعل المندوبات فالبر أعم من التقوى .

{ ولا تعاونوا على الإثم والعدوان } الفرق بينهما أن الإثم كل ذنب بين العبد وبين الله أو بينه وبين الناس ، والعدوان على الناس .