السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تُحِلُّواْ شَعَـٰٓئِرَ ٱللَّهِ وَلَا ٱلشَّهۡرَ ٱلۡحَرَامَ وَلَا ٱلۡهَدۡيَ وَلَا ٱلۡقَلَـٰٓئِدَ وَلَآ ءَآمِّينَ ٱلۡبَيۡتَ ٱلۡحَرَامَ يَبۡتَغُونَ فَضۡلٗا مِّن رَّبِّهِمۡ وَرِضۡوَٰنٗاۚ وَإِذَا حَلَلۡتُمۡ فَٱصۡطَادُواْۚ وَلَا يَجۡرِمَنَّكُمۡ شَنَـَٔانُ قَوۡمٍ أَن صَدُّوكُمۡ عَنِ ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِ أَن تَعۡتَدُواْۘ وَتَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلۡبِرِّ وَٱلتَّقۡوَىٰۖ وَلَا تَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلۡإِثۡمِ وَٱلۡعُدۡوَٰنِۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَۖ إِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلۡعِقَابِ} (2)

{ يا أيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله } جمع شعيرة : وهي اسم ما أشعر أي : جعل شعاراً وعلماً للنسك من مواقف الحج ومرامي الجمار والمطاف والمسعى والأفعال التي هي علامات الحاج ، يعرف بها من الإحرام والطواف والسعي والحلق والنحر ، وقيل : معالم دينه ، وقيل : فرائضه التي حدّها لعباده { ولا } تحلوا { الشهر الحرام } أي : بالقتال فيه قال تعالى : { إنّ عدّة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض منها أربعة حرم } ( التوبة ، 36 ) وهي ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب ، فيجوز أن يكون ذلك إشارة إلى جميع هذه الأشهر كما يطلق اسم الواحد على الجنس لأنّ الأشهر كلها في الحرمة سواء ، ولكن قال الزمخشريّ : والشهر الحرام شهر الحج { ولا } تحلوا { الهدى } أي : بالتعرّض له وهو ما أهدى إلى الحرم من النعم { ولا } تحلوا { القلائد } أي : صاحب القلائد من الهدى ، وعبر بها مبالغة في تحريمها أو القلائد أنفسها ، والنهي عن إحلالها مبالغة في النهي عن التعرّض للهدى ، والقلائد جمع قلادة وهي ما قلّد به الهدى من نعل أو غيره ليعلم به أنه هدى فلا يتعرّض له { ولا } تحلوا { آمّين } أي : قاصدين { البيت الحرام } لزيارته أي : بأن تقاتلوهم .

{ يبتغون فضلاً من ربهم } وهو الثواب { ورضواناً } أي : وأن يرضى عنهم والجملة في موضع الحال من المستكن في آمين ، أي : لا تتعرضوا لقومٍ هذه صفتهم تعظيماً لهم واستنكاراً أن يتعرّض لمثلهم ، وقيل : معناه يبتغون من الله رزقاً بالتجارة ورضواناً بزعمهم لأنهم كانوا يظنون ذلك فوصفوا به بناء على ظنهم ولأنّ الكافر لا نصيب له في الرضوان كقوله تعالى : { ذق إنك أنت العزيز الكريم } ( الدخان ، 49 ) قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : كان المسلمون والمشركون يحجون جميعاً فنهى الله تعالى المسلمين أن يمنعوا أحداً عن حج البيت بقوله تعالى :

{ لا تحلوا شعائر الله } فعلى الأوّل الآية محكمة قال الحسن : ليس في المائدة منسوخ ، وعلى الثاني قال البيضاوي : فالآية منسوخة أي : لما فيها من حرمة القتال في الشهر الحرام ، ومن حرمة منع المشركين عن المسجد الحرام والأوّل منسوخ بقوله تعالى : { اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم } ( التوبة ، 5 ) والثاني بقوله تعالى : { فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا } ( التوبة ، 28 ) فقوله : منسوخ منزل على هذا ، لكن إذا قلنا بشمول آمين للمسلمين والمشركين إنما يكون النسخ في حق المشركين خاصة وهو في الحقيقة تخصيص لا نسخ ففي تسميته نسخاً تسمح ، وقرأ شعبة بضم الراء والباقون بالكسر .

{ وإذا حللتم } أي : من الإحرام وقوله تعالى : { فاصطادوا } أمر إباحة أباح لهم الاصطياد بعد حظره عليهم كأنه قيل : وإذا حللتم فلا جناح عليكم أن تصطادوا كما في قوله تعالى : { فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض } ( الجمعة ، 10 ) { ولا يجرمنكم } أي : يحملنَّكم أو يكسبنَّكم { شنآن قوم } أي : شدّة بغضهم ، وقرأ ابن عامر وشعبة بسكون النون بعد الشين والباقون بنصبها وقوله تعالى : { أن صدّوكم } قرأ ابن كثير وأبو عمرو بكسر الهمزة على أن الشرطية والباقون بفتحها أي : لأجل أن صدوكم في عام الحديبية أو غيره { عن المسجد الحرام } وقوله تعالى : { أن تعتدوا } أي : يشتد عدْوُكم عليهم بأن تنتقموا منهم بالقتل وغيره ، ثاني مفعولي يجرمنكم فإنه يتعدّى إلى واحد وإلى اثنين ككسب { وتعاونوا على البر والتقوى } أي : بفعل ما أمرتم به { ولا تعاونوا } فيه حذف إحدى التاءين في الأصل { على الإثم } أي : المعاصي للتشفي { والعدوان } أي : التعدي في حدود الله للانتقام { واتقوا الله } أي : خافوا عقابه بأن تطيعوه { إنّ الله شديد العقاب } لمن خالفه فانتقامه أشد .