التفسير الصحيح لبشير ياسين - بشير ياسين  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تُحِلُّواْ شَعَـٰٓئِرَ ٱللَّهِ وَلَا ٱلشَّهۡرَ ٱلۡحَرَامَ وَلَا ٱلۡهَدۡيَ وَلَا ٱلۡقَلَـٰٓئِدَ وَلَآ ءَآمِّينَ ٱلۡبَيۡتَ ٱلۡحَرَامَ يَبۡتَغُونَ فَضۡلٗا مِّن رَّبِّهِمۡ وَرِضۡوَٰنٗاۚ وَإِذَا حَلَلۡتُمۡ فَٱصۡطَادُواْۚ وَلَا يَجۡرِمَنَّكُمۡ شَنَـَٔانُ قَوۡمٍ أَن صَدُّوكُمۡ عَنِ ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِ أَن تَعۡتَدُواْۘ وَتَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلۡبِرِّ وَٱلتَّقۡوَىٰۖ وَلَا تَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلۡإِثۡمِ وَٱلۡعُدۡوَٰنِۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَۖ إِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلۡعِقَابِ} (2)

قوله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله )

أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله : ( شعائر الله ) الصفا والمروة ، والهدي والبدن ، كل هذا من ( شعائر الله ) .

قوله تعالى ( ولا الشهر الحرام )

قال البخاري : حدثنا عبد الله بن محمد حدثنا أبو عامر حدثنا قرة عن محمد بن سيرين قال : أخبرني عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبي بكرة ورجل أفضل في نفسي من عبد الرحمن حميد بن عبد الرحمن عن أبي بكرة رضي الله عنه قال : خطبنا النبي صلى الله عليه وسلم يوم النحر قال : " أتدرون أي يوم هذا ؟ " قلنا : الله ورسوله أعلم . فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه . قال : " أليس يوم النحر ؟ " . قلنا . بلى . قال : " أي شهر هذا ؟ " . قلنا : الله ورسوله أعلم . فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه . فقال : " أليس ذو الحجة ؟ " قلنا : بلى . قال : " أي بلد هذا ؟ " قلنا : الله ورسوله أعلم . فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه . قال : " أليست بالبلدة الحرام ؟ " قلنا : بلى . قال : " فإن دماءكم

وأموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا إلى يوم تلقون ربكم ، ألا هل بلغت ؟ قالوا : نعم . قال : " اللهم اشهد ، فليبلغ الشاهد الغائب ، فرب مبلغ أوعى من سامع ، فلا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض " .

( صحيح البخاري 3/670ح1741 - ك الحج ، ب الخطبة أيام منى ) .

وانظر حديث مسلم تحت الآية رقم ( 217 ) من سورة البقرة .

أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله : ( ولا الشهر الحرام ) يعني : لا تستحلوا قتالا فيه .

أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة : ( لا تحلوا شعائر الله ولا الشهر الحرام ) قال منسوخ ، كان الرجل في الجاهلية إذا خرج من بيته يريد الحج ، تقلد من السمر ، فلم يعرض له أحد . وإذا رجع تقلد قلادة شعر ، لم يعرض له أحد وكان المشرك يومئذ لا يصد عن البيت ، فأمروا آلا يقاتلوا في الشهر الحرام ولا عند البيت ، فنسخها قوله تعالى ( فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم ) التوبة .

قوله تعالى ( ولا الهدي ولا القلائد )

قال البخاري : حدثنا أحمد بن محمد أخبرنا عبد الله أخبرنا معمر عن الزهري عن عروة بن الزبير عن المسور بن مخرمة ومروان قالا : خرج النبي صلى الله عليه وسلم زمن الحديبية في بضع عشرة مائة من أصحابه حتى إذا كانوا بذي الحليفة قلد النبي صلى الله عليه وسلم الهدي وأشعر وأحرم بالعمرة .

( صحيح البخاري 3/634ح1694 ، 1695 - ك الحج ، ب من أشعر و قلد بذي الحليفة ثم أحرم . . . ) .

وقال البخاري : حدثنا أبو نعيم حدثنا أفلح عن القاسم عن عائشة رضي الله عنها قالت : فتلت قلائد بدن النبي صلى الله عليه وسلم بيدي ، ثم قلدها وأشعرها وأهداها ، فما حرم عليه شيء كان أحل له .

( صحيح البخاري 3/634ح1696- ك الحج ، ب من أشعر و قلد بذي الحليفة ثم أحرم . . . )

قال مسلم : حدثنا أحمد بن يونس . حدثنا زهير . حدثنا أبو الزبير عن جابر . قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تذبحوا إلا مسنة . إلا أن يعسر عليكم ، فتذبحوا جذعة من الضأن " .

( صحيح مسلم 3/1555 ح1963 - ك الأضاحي ، ب سن الأضحية ) .

أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد ( ولا القلائد ) قال : ( القلائد ) اللحاء في رقاب الناس والبهائم ، أمن لهم .

قوله تعالى ( يبتغون فضلا من ربهم ورضوانا )

أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد ( يبتغون فضلا من ربهم ورضوانا )

قال : يبتغون الأجر والتجارة .

قوله تعالى ( وإذا حللتم فاصطادوا )

قال الشيخ الشنقيطي : يعني إن شئتم ، فلا يدل هذا الأمر على إيجاب الاصطياد عند الإحلال ، ويدل له الاستقراء في القرآن ، فإن كل شيء كان جائزا ثم حرم لموجب ، ثم أمر به بعد زوال ذلك الموجب ، فإن ذلك الأمر كله في القرآن للجواز نحو قوله هنا :

( وإذا حللتم فاصطادوا ) وقوله : ( فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض ) وقوله :

( فالآن باشروهن ) الآية ، وقوله ( فإذا تطهرن فأتوهن ) الآية . و بهذا تعلم أن التحقيق الذي دل عليه الاستقراء التام في القرآن أن الأمر بالشيء بعد تحريمه يدل على رجوعه إلى ما كان عليه قبل التحريم من إباحة أو وجوب ، فالصيد قبل الإحرام كان جائزا فمنع للإحرام ، ثم أمر به بعد الإحلال بقوله : ( وإذا حللتم فاصطادوا )

قوله تعالى ( ولا يجرمنكم شنئان قوم أن صدوكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا ) الآية .

أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس : ( ولا يجرمنكم شنئان قوم ) يقول : لا يحملنكم بغض قوم .

قال الشيخ الشنقيطي : لم يبين حكمة هذا الصد ، ولم يذكر أنهم صدوا معهم الهدي ، معكوفا أن يبلغ محله ، وذكر في سورة الفتح أنهم صدوا معهم الهدي ، وأن الحكمة في ذلك المحافظة على المؤمنين والمؤمنات ، الذين لم يتميزوا عن الكفار في ذلك الوقت ، بقوله : ( هم الذين كفروا وصدوكم عن المسجد الحرام والهدى معكوفا أن يبلغ محله ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات لم تعلموهم أن تطئوهم فتصيبكم منهم معرة بغير علم ليدخل الله في رحمته من يشاء لو تزيلوا لعذبنا الذين كفروا منهم عذابا أليما ) وفي هذه الآية دليل صريح على أن الإنسان عليه أن يعامل من عصى الله فيه ، بأن يطيع الله فيه .

قوله تعالى ( وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان )قال مسلم : حدثني محمد بن حاتم بن ميمون ، حدثنا ابن مهدي ، عن معاوية بن صالح ، عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير ، عن أبيه ، عن النواس بن سمعان الأنصاري قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البر والإثم ؟ فقال : " البر حسن الخلق ، والإثم ما حاك في صدرك وكرهت أن يطلع عليه الناس " .

( الصحيح4/1980ح2553- ك البر والصلة ، ب تفسير البر والإثم ) .

قال أحمد : ثنا زيد بن يحيى الدمشقي قال : ثنا عبد الله بن العلاء قال : سمعت مسلم بن مشكم قال : سمعت الخشني يقول : قلت : يا رسول الله أخبرني بما يحل لي ويحرم علي ؟ قال : فصعد النبي صلى الله عليه وسلم وصوب في النظر فقال : النبي صلى الله عليه وسلم : " البر ما سكنت إليه النفس واطمأن إليه القلب والإثم ما لم تسكن إليه النفس و لم يطمئن إليه القلب وإن أفتاك المفتون " . وقال : " لا تقرب لحم الحمار الأهلي ، ولا ذا ناب من السباع " .

( المسند 4/194 ) ، وأخرجه الطبراني في ( الكبير 22/218ح 582 ) من طريقين عن عبد الله بن العلاء به ، وقال الهيثمي عنه : رجاله ثقات ( مجمع الزوائد 1/175-176 ) ، وحسنه السيوطي ( الجامع الصغير مع فيض القدير 3/218ح3198 ) ، وصححه الألباني ( صحيح الجامع ح2878 ) .

قال البخاري : حدثنا مسدد ، حدثنا معتمر ، عن حميد عن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " انصر أخاك ظالما أو مظلوما " . قالوا : يا رسول الله ، هذا ننصره مظلوما ، فكيف ننصره ظالما ؟ قال : " تأخذ فوق يديه " .

( الصحيح 5/118ح2444- ك الظالم ، ب أعن أخاك ظالما أو مظلوما )قال الترمذي : حدثنا أحمد بن محمد ، أخبرنا ابن المبارك ، عن أبي بكر النهشلي عن مرزوق أبي بكر التيمي عن أم الدرداء عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من رد عن عرض أخيه رد الله عن وجهه النار يوم القيامة "

( السنن 4/327ح 1931 - ك البر والصلة ، ب ما جاء في الذب عن عرض المسلم ) ، وأخرجه أحمد ( المسند 6/450 ) عن علي بن إسحاق عن ابن المبارك به ، قال الترمذي : حديث حسن . وصححه الألباني ، ونقل عن المنذري تحسينه ( صحيح الجامع ح6138 ) .

أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله : ( وتعاونوا على البر والتقوى ) ، ( البر ) ما أمرت به ( والتقوى ) ما نهيت عنه .