تفسير مقاتل بن سليمان - مقاتل  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تُحِلُّواْ شَعَـٰٓئِرَ ٱللَّهِ وَلَا ٱلشَّهۡرَ ٱلۡحَرَامَ وَلَا ٱلۡهَدۡيَ وَلَا ٱلۡقَلَـٰٓئِدَ وَلَآ ءَآمِّينَ ٱلۡبَيۡتَ ٱلۡحَرَامَ يَبۡتَغُونَ فَضۡلٗا مِّن رَّبِّهِمۡ وَرِضۡوَٰنٗاۚ وَإِذَا حَلَلۡتُمۡ فَٱصۡطَادُواْۚ وَلَا يَجۡرِمَنَّكُمۡ شَنَـَٔانُ قَوۡمٍ أَن صَدُّوكُمۡ عَنِ ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِ أَن تَعۡتَدُواْۘ وَتَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلۡبِرِّ وَٱلتَّقۡوَىٰۖ وَلَا تَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلۡإِثۡمِ وَٱلۡعُدۡوَٰنِۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَۖ إِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلۡعِقَابِ} (2)

قال تعالى ذكره : { يا أيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله } ، يعني مناسك الحج والعمرة ، وذلك أن الحمس ، قريشا ، وخزاعة ، وكنانة ، وعامر بن صعصعة ، كانوا يستحلون أن يغير بعضهم على بعض في الأشهر الحرم وغيرها ، وكانوا لا يسعون بين الصفا والمروة ، وكانوا لا يرون الوقوف بعرفات من شعائر الله ، فلما أسلموا أخبرهم الله عز وجل بأنها من شعائر الله ، فقال عز وجل : { الصفا والمروة من شعائر الله } ( البقرة : 158 ) .

وأمر سبحانه أن يسعى بينهما ، فأنزل الله عز وجل : { يا أيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله } { ولا الشهر الحرام ولا الهدى ولا القلائد } ، يقول : لا تستحلوا القتل في الشهر الحرام ، وذلك أن أبا ثمامة جنادة بن عوف بن أمية من بني كنانة كان يقوم كل سنة في سوق عكاظ ، فيقول : ألا إني قد أحللت المحرم ، وحرمت صفرا ، وأحللت كذا ، وحرمت كذا ، ما شاء ، وكانت العرب تأخذ به ، فأنزل الله تعالى : { إنما النسيء زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا } ، يعني جنادة بن عوف ، { يحلونه عاما ويحرمونه عاما ليواطؤوا عدة ما حرم الله } ، يعني خلافا على الله جل اسمه وعلى ما حرم ، { فيحلوا ما حرم الله } ( التوبة : 37 ) من الأشهر الحرم .

ثم رجع إلى الآية الأولى في التقديم ، فقال تعالى : { ولا القلائد } ، كفعل أهل الجاهلية ، وذلك أنهم كانوا يصيبون من الطريق ، قال : وكان في الجاهلية من أراد الحج من غير أهل الحرم ، يقلد نفسه من الشعر والوبر ، فيأمن به إلى مكة ، وإن كان من أهل الحرم ، قلد نفسه وبعيره من لحيا شجر الحرم ، فيأمن به حيث يذهب ، فهذا في غير أشهر الحرم ، فإذا كان أشهر الحرم ، لم يقلدوا أنفسهم ولا أباعرهم وهم يأمنون حيث ما ذهبوا .

قال عز وجل : { ولا آمين البيت الحرام } ، يعني متوجهين نحو البيت ، نزلت في الخطيم ، يقول : لا تتعرضوا الحجاج بيت الله ، { يبتغون فضلا من ربهم } ، يعني الرزق في التجارة في مواسم الحج ، { ورضوانا } ، يعني رضوان الله بحجهم ، فلا يرضى الله عنهم حتى يسلموا ، فنسخت آية السيف هذه الآية كلها .

قوله سبحانه : { وإذا حللتم } من الإحرام ، { فاصطادوا } ، يقول : إذا حللتم من إحرامكم فاصطادوا ، { ولا يجرمنكم شنآن قوم } ، يقول : ولا يحملنكم عداوة المشركين من أهل مكة ، { أن صدوكم عن المسجد الحرام } ، يعني منعوكم من دخول البيت الحرام أن تطوفوا به عام الحديبية ، { أن تعتدوا } ، يعني أن ترتكبوا معاصيه ، فتستحلوا أخذ الهدى والقلائد والقتل في الشهر الحرام من حجاج بكر بن وائل من أهل اليمامة ، نزلت في الخطيم ، واسمه شريح بن ضبيعة بن شرحبيل بن عمر بن جرثوم البكري ، ومن بني قيس بن ثعلبة ، وفي حجاج المشركين ، وذلك أن شريح بن ضبيعة جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا محمد ، اعرض علي دينك ، فعرض عليه وأخبره بما له وبما عليه ، فقال له شريح : إن في دينك هذا غلظا ، فأرجع إلى قومي فأعرض عليهم ما قلت ، فإن قبلوه كنت معهم ، وإن لم يقبلوه كنت معهم .

فخرج من عند النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : "لقد دخل بقلب كافر ، وخرج بوجه غادر ، وما أرى الرجل بمسلم" ، ثم مر على مسرح المدينة فاستاقها ، فطلبوه فسبقهم إلى المدينة ، وأنشأ يقول :

قد لفها الليل بسواق حطم *** ليس براعي إبل ولا غنم

ولا بجزار على ظهر وضم *** خدلج الساق ولا رعش القدم

قال أبو محمد عبد الله بن ثابت : سمعت أبي يقول : قال أبو صالح : قتله رجل من قومه على الكفر ، وقدم الرجل الذي قتله مسلما ، فلما سار رسول الله صلى الله عليه وسلم معتمرا عام الحديبية في العام الذي صده المشركون ، جاء شريح إلى مكة معتمرا ، معه تجارة عظيمة في حجاج بكر بن وائل ، فلما سمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بقدوم شريح وأصحابه ، وعرفوا بنبئهم ، فأراد أهل السرح أن يغيروا عليه كما أغار عليهم من قبل شريح وأصحابه ، فقالوا : نستأمر النبي صلى الله عليه وسلم ، فاستأمروه ، فنزلت الآية : { يا أيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله } ، يعني أمر المناسك .

ولا تستحلوا في الشهر الحرام أخذ الهدى ولا القلائد ، يقول ولا تخيفوا من قلد بعيره ، ولا تستحلوا القتل آمين البيت الحرام ، يعني متوجهين قبل البيت الحرام من حجاج المشركين ، يعني شريح بن ضبيعة وأصحابه يبتغون بتجاراتهم فضلا من الله ، يعني الرزق والتجارة ورضوانه بحجهم ، فنهى الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم عن قتالهم ، ثم لم يرض منهم حتى يسلموا ، فنسخت هذه الآية آية السيف ، فقال عز وجل : { فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم } ( التوبة : 5 ) ، ثم قال تعالى : { وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب } .