غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تُحِلُّواْ شَعَـٰٓئِرَ ٱللَّهِ وَلَا ٱلشَّهۡرَ ٱلۡحَرَامَ وَلَا ٱلۡهَدۡيَ وَلَا ٱلۡقَلَـٰٓئِدَ وَلَآ ءَآمِّينَ ٱلۡبَيۡتَ ٱلۡحَرَامَ يَبۡتَغُونَ فَضۡلٗا مِّن رَّبِّهِمۡ وَرِضۡوَٰنٗاۚ وَإِذَا حَلَلۡتُمۡ فَٱصۡطَادُواْۚ وَلَا يَجۡرِمَنَّكُمۡ شَنَـَٔانُ قَوۡمٍ أَن صَدُّوكُمۡ عَنِ ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِ أَن تَعۡتَدُواْۘ وَتَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلۡبِرِّ وَٱلتَّقۡوَىٰۖ وَلَا تَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلۡإِثۡمِ وَٱلۡعُدۡوَٰنِۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَۖ إِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلۡعِقَابِ} (2)

1

ثم أكد النهي عن مخالفة تكاليفه بقوله : { يا أيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله } الأكثرون على أنها جمع شعيرة : " فعيلة " بمعنى : " مفعلة " . وقال ابن فارس : واحدها شعارة . ثم المفسرون اختلفوا على قولين : أحدهما أنها عامة في جميع تكاليفه ومنه قول الحسن : شعائر الله دين الله . والثاني أنها شيء خاص من التكاليف . ثم قيل : المراد لا تحلوا ما حرم الله عليكم في حال إحرامكم من الصيد . وقيل : الأفعال التي هي علامات الحج التي يعرف بها من الإحرام والطواف والسعي والحلق والنحر . وقال الفراء : كانت عامة العرب لا يرون الصفا والمروة من شعائر الحج فنهوا عن ترك السعي بينهما . وقال أبو عبيدة : الشعائر الهدايا التي تطعن في سنامها وتقلد ليعلم أنها هدي . وقال ابن عباس : " إن الحطم واسمه شريح بن ضبيعة الكندي أتى النبي صلى الله عليه وسلم من اليمامة إلى المدينة فخلف خيله خارج المدينة ودخل وحده على النبي صلى الله عليه وسلم فقال له : إلام تدعو الناس ؟ فقال : إلى شهادة أن لا إله إلاّ الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة . فقال : حسن إلاّ أن لي أمراء لا أقطع أمراً دونهم ، ولعلي أسلم وآتي بهم . وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه : يدخل عليكم رجل يتكلم بلسان شيطان ثم خرج من عنده . فلما خرج قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لقد دخل بوجه كافر وخرج بعقبى غادر وما الرجل بمسلم " . فمرّ بسرح المدينة فاستاقه فطلبوه فعجزوا عنه ، فلما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عمرة القضاء سمع تلبية حجاج اليمامة فقال لأصحابه : هذا الحطم وأصحابه وكان قد قلد ما نهب من سرح المدينة وأهداه إلى الكعبة ، فلما توجهوا في طلبه أنزل الله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله } يريد ما أشعر لله وإن كانوا على غير دين الإسلام .

وقال زيد بن أسلم : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه بالحديبية حين صدهم المشركون وقد اشتد ذلك عليهم ، فمر بهم ناس من المشركين يريدون العمرة ، فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم : نصد هؤلاء عن البيت كما صدنا أصحابهم ؟ فأنزل الله : { لا تحلوا شعائر الله ولا الشهر الحرام ولا الهدي ولا القلائد ولا آمين البيت الحرام } أي قوماً قاصدين إياه . والمعنى لا تعتدوا على هؤلاء العمار لأن صدكم أصحابهم فالشهر الحرام شهر الحج أعني ذا الحجة ، أو المراد رجب وذو القعدة وذو الحجة والمحرم وعبر عنها بلفظ الواحد اكتفاء باسم الجنس ، أي لا تحلوا القتال في هذه الأشهر . والهدي ما أهدى إلى البيت وتقرب به إلى الله من النسائك جمع هدية . والقلائد جمع قلادة وهي ما قلد به الهدي من نعل أو عروة مزادة أو لحاء شجر الحرم . والمراد لا تحلو ذوات القلائد من الهدي أفرد للاختصاص بالفضل مثل وجبريل وميكال . ويحتمل أنه نهي عن التعرض للقلائد ليلزم النهي عن ذوات القلائد بالطريق الأولى كقوله :{ ولا يبدين زينتهن }[ النور :31 ] فإنه نهي عن إبداء الزينة مبالغة في النهي عن إبداء مواقعها . وللمفسرين خلاف في الآية فذهب كثير منهم كابن عباس ومجاهد والحسن والشعبي وقتادة أنها منسوخة ، وذلك أن المسلمين والمشركين كانوا يحجون جميعاً فنهى المسلمون أن يمنعوا أحداً عن حج البيت بقوله : { لا تحلوا } ثم نزل بعد ذلك :{ إنما المشركون نجس }[ التوبة :28 ]{ ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله }[ التوبة :17 ] وهؤلاء فسروا ابتغاء الفضل بالتجارة ، وابتغاء الرضوان بأن المشركين كانوا يظنون في أنفسهم أنهم على شيء من الدين وأن الحج يقرّبهم إلى الله فوصفهم الله بظنهم . وقال الآخرون : إنها محكمة وإنه تعالى أمرنا أن لا نخيف من يقصد بيته من المسلمين بدليل قوله :{ يبتغون فضلا من ربهم } أي ثوابا { ورضواناً } وأن يرضى عنهم وهذا إنما يليق بالمسلم لا بالكافر . وقال أبو مسلم : المراد بالآية الكفار الذين كانوا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما زال العهد بسورة براءة زال ذلك الخطر . { وإذا حللتم فاصطادوا } ظاهر الأمر للوجوب إلاّ أنه يفيد ههنا الإباحة لأنه لما كان المانع من حل الاصطياد هو الإحرام لقوله : { غير محلي الصيد وأنتم حرم } فإذا زال الإحرام رجع إلى أصل الإباحة { ولا يجرمنكم } معطوف على { لا تحلوا } وجرم بمعنى كسب من حيث المعنى ومن حيث تعدية إلى مفعول واحد تارة وإلى مفعولين أخرى . تقول : جرم ذنباً نحو كسبه وجرمته ذنباً نحو كسبته إياه وهذا هو المذكور في الآية .

الشنآن بالتحريك والتسكين مصدر شنأته أشنؤه وكلاهما شاذ فالتحريك شاذ في المعنى لأن فعلان من بناء الحركة والاضطراب كالضربان والخفقان . والتسكين شاذ في اللفظ لأنه لم يجيء شيء من المصادر عليه قاله الجوهري . ومعنى الآية لا يكسبنكم بغض قوم الاعتداء أو لا يحملنكم بغضهم على الاعتداء . وقوله : { أن صدوكم } من قرأ بكسر الهمزة فهو شرط وجوابه ما يدل عليه { لا يجرمنكم } ، ومن قرأ بفتح " أن " فمعناه التعليل أي لأن صدوكم .

قيل : هذه القراءة أولى لأن المراد منع أهل مكة رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين يوم الحديبية عن العمرة والسورة نزلت بعد الحديبية . { وتعاونوا على البر والتقوى } على العفو والإغضاء أو على كل ما يعدّ براً وتقوى . { ولا تعاونوا على الإثم والعدوان } على الانتقام والتشفي أو على كل ما يورث الإثم والتجاوز عن الحد . والحاصل أن الباطل والإثم لا يصلح لأن يقتدي به ويعان عليه وإنما اللائق بالاقتداء به والتعاون عليه هو الخير والبر وما فيه تقوى الله سبحانه وتعالى . ثم بالغ في هذا المعنى بقوله : { واتقوا الله } أي في استحلال محارمه . { إن الله شديد العقاب } .

/خ11