أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والنحاس في ناسخه عن ابن عباس في قوله { لا تحلوا شعائر الله } قال : كان المشركون يحجون البيت الحرام ، ويهدون الهدايا ، ويعظمون حرمة المشاعر ، وينحرون في حجهم ، فأراد المسلمون أن يغيروا عليهم فقال الله { لا تحلوا شعائر الله } وفي قوله { ولا الشهر الحرام } يعني لا تستحلوا قتالاً فيه { ولا آمين البيت الحرام } يعني من توجه قبل البيت ، فكان المؤمنون والمشركون يحجون البيت جميعاً ، فنهى الله المؤمنين أن يمنعوا أحداً يحج البيت ، أو يتعرضوا له من مؤمن أو كافر ، ثم أنزل الله بعد هذا { إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا } [ التوبة : 28 ] وفي قوله { يبتغون فضلاً } يعني أنهم يترضون الله بحجهم { ولا يجرمنكم } يقول : لا يحملنكم { شنآن قوم } يقول : عداوة قوم { وتعاونوا على البر والتقوى } قال : البر . ما أمرت به { والتقوى } ما نهيت عنه .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في الآية قال : شعائر الله ما نهى الله عنه أن تصيبه وأنت محرم ، والهدي ما لم يقلدوا القلائد مقلدات الهدي { ولا آمين البيت الحرام } يقول : من توجه حاجاً .
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله { لا تحلوا شعائر الله } قال : مناسك الحج .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن مجاهد في قوله { لا تحلوا شعائر الله } قال : معالم الله في الحج .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن عطاء أنه سئل عن شعائر الحج فقال : حرمات الله اجتناب سخط الله واتباع طاعته ، فذلك شعائر الله .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير والنحاس في ناسخه عن قتادة في قوله { يا أيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله ولا الشهر الحرام ولا الهدي ولا القلائد ولا آمين البيت الحرام } قال : منسوخ ، كان الرجل في الجاهلية إذا خرج من بيته يريد الحج تقلد من السمر فلم يعرض له أحد ، وإذا تقلد بقلادة شعر لم يعرض له أحد ، وكان المشرك يومئذ لا يصد عن البيت ، فأمر الله أن لا يقاتل المشركون في الشهر الحرام ولا عند البيت ، ثم نسخها قوله { اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم } [ التوبة : 5 ] .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة في الآية قال : نسخ منها { آمّين البيت الحرام } نسختها الآية التي في براءة { اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم } وقال { ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله شاهدين على أنفسهم بالكفر } [ التوبة : 17 ] وقال { إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا } [ التوبة : 28 ] وهو العام الذي حج فيه أبو بكر بالآذان .
وأخرج ابن المنذر عن مجاهد في قوله { لا تحلوا شعائر الله . . . } الآية . قال : نسختها { فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم . . . } [ التوبة : 5 ] .
وأخرج عبد بن حميد عن الضحاك . مثله .
وأخرج ابن جرير عن عطاء قال : كانوا يتقلدون من لحاء شجر الحرم ، يأمنون بذلك إذا خرجوا من الحرم ، فنزلت { لا تحلوا شعائر الله ولا الشهر الحرام ولا الهدي ولا القلائد } .
وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد في قوله { لا تحلوا شعائر الله } قال : القلائد . اللحاء في رقاب الناس والبهائم أماناً لهم ، والصفا والمروة والهدي والبدن كل هذا من شعائر الله قال أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم « هذا كله عمل أهل الجاهلية فعله وإقامته ، فحرم الله ذلك كله بالإسلام إلا اللحاء القلائد ترك ذلك » .
وأخرج عبد بن حميد عن عطاء في الآية قال : أما القلائد . فإن أهل الجاهلية كانوا ينزعون من لحاء السمر فيتخذون منها قلائد يأمنون بها في الناس ، فنهى الله عن ذلك أن ينزع من شجر الحرم .
وأخرج ابن جرير عن عكرمة في قوله { ولا الشهر الحرام } قال : هو ذو القعدة .
وأخرج ابن أبي حاتم عن زيد بن أسلم قال « كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحديبية وأصحابه حين صدهم المشركون عن البيت ، وقد اشتد ذلك عليهم ، فمر بهم أناس من المشركين من أهل المشرق يريدون العمرة ، فقال أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم نصد هؤلاء كما صدنا أصحابنا ، فأنزل الله { ولا يجرمنكم . . . . } الآية » .
وأخرج ابن جرير عن السدي قال : « أقبل الحطم بن هند البكري حتى أتى النبي صلى الله عليه وسلم ، فدعاه فقال : إلام تدعو ؟ فأخبره ، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه " يدخل اليوم عليكم رجل من ربيعة يتكلم بلسان شيطان ، فلما أخبره النبي صلى الله عليه وسلم قال : انظروا لعلي أسلم ولي من أشاوره ، فخرج من عنده ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لقد دخل بوجه كافر وخرج بعقب غادر ، فمر بسرح من سرح المدينة ، فساقه ثم أقبل من عام قابل حاجاً قد قلد وأهدى ، فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبعث إليه ، فنزلت هذه الآية حتى بلغ { ولا آمين البيت الحرام } فقال ناس من أصحابه : يا رسول الله خلِّ بيننا وبينه فإنه صاحبنا . قال : أنه قد قلد ! قالوا : إنما هو شيء كنا نصنعه في الجاهلية ، فأبى عليهم ، فنزلت هذه الآية .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن عكرمة قال : قدم الحطم بن هند البكري المدينة في عير له تحمل طعاماً ، فباعه ثم دخل على النبي صلى الله عليه وسلم فبايعه وأسلم ، فلما ولى خارجاً نظر إليه فقال لمن عنده « لقد دخل عليَّ بوجه فاجر وولى بقفا غادر ، فلما قدم اليمامة ارتد عن الإسلام ، وخرج في عير له تحمل الطعام في ذي القعدة يريد مكة ، فلما سمع به أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم تهيأ للخروج إليه نفر من المهاجرين والأنصار ليقتطعوه في عيره ، فأنزل الله { يا أيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله } الآية . فانتهى القوم » .
وأخرج ابن جرير عن ابن زيد في قوله { ولا آمين البيت الحرام } قال : هذا يوم الفتح ، جاء ناس يؤمون البيت من المشركين يهلون بعمرة ، فقال المسلمون : يا رسول الله ، إنما هؤلاء مشركون ، فمثل هؤلاء فلن ندعهم إلا أن نغير عليهم ، فنزل القرآن { ولا آمين البيت الحرام } .
وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد في قوله { ولا آمين البيت الحرام يبتغون فضلاً من ربهم ورضواناً } قال : يبتغون الأجر والتجارة حرم الله على كل أحد إخافتهم .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة في قوله { يبتغون فضلاً من ربهم ورضواناً } قال : هي للمشركين يلتمسون فضل الله ورضواناً نماء يصلح لهم دنياهم .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد قال : خمس آيات في كتاب الله رخصة وليست بعزمة { وإذا حللتم فاصطادوا } إن شاء اصطاد وإن شاء لم يصطد { فإذا قضيت الصلاة فانتشروا } [ الجمعة : 10 ] . { أو على سفر فعدة من أيام أخر } [ البقرة : 184 ] { فكلوا منها وأطعموا } [ الحج : 28 ] .
وأخرج ابن أبي حاتم عن عطاء قال : خمس آيات من كتاب الله رخصة وليست بعزيمة { فكلوا منها وأطعموا } [ الحج : 28 ] فمن شاء أكل ومن شاء لم يأكل { وإذا حللتم فاصطادوا } فمن شاء فعل ومن شاء لم يفعل { ومن كان مريضاً أو على سفر } [ البقرة : 184 ] فمن شاء صام ومن شاء أفطر { فكاتبوهم إن علمتم } [ النور : 33 ] إن شاء كاتب ، وإن شاء لم يفعل ، { فإذا قُضيت الصلاة فانتشروا } [ الجمعة : 10 ] ، إن شاء انتشر وإن شاء لم ينتشر .
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله { ولا يجرمنكم شنآن قوم } قال : لا يحملنكم بغض قوم .
وأخرج عبد بن حميد عن الربيع بن أنس في قوله { ولا آمين البيت الحرام } قال : الذين يريدون الحج { يبتغون فضلاً من ربهم } قال : التجارة في الحج { ورضواناً } قال : الحج { ولا يجرمنكم شنآن قوم } قال : عداوة قوم { وتعاونوا على البر والتقوى } قال : البر . ما أمرت به ، والتقوى . ما نهيت عنه .
وأخرج أحمد وعبد بن حميد في هذه الآية والبخاري في تاريخه عن وابصة قال : أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا لا أريد أن أدع شيئاً من البر والإثم إلا سألته عنه ، فقال لي « يا وابصة أخبرك عما جئت تسأل عنه أم تسأل ؟ قلت : يا رسول الله أخبرني ! قال : جئت لتسأل عن البر والإثم ، ثم جمع أصابعه الثلاث فجعل ينكت بها في صدري ، ويقول : يا وابصة استفت قلبك ، استفت نفسك ، البر : ما اطمأن إليه القلب واطمأنت إليه النفس ، والإثم : ما حاك في القلب وتردد في الصدر وإن أفتاك الناس وأفتوك » .
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والبخاري في الأدب ومسلم والترمذي والحاكم والبيهقي في الشعب عن النوّاس بن سمعان قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البر والإثم ، فقال « ما حاك في نفسك فدعه قال : فما الإيمان ؟ قال : من ساءته سيئته وسرته حسنته فهو مؤمن » .
وأخرج عبد بن حميد عن عبد الله بن مسعود قال : الإثم حوّاز القلوب .
وأخرج البيهقي عن ابن مسعود قال : الإثم حوّاز القلوب ، فإذا حز في قلب أحدكم شيء فليدعه .
وأخرج البيهقي عن ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « الإثم حوّاز القلوب ، وما من نظرة إلا وللشيطان فيها مطمع » .
وأخرج أحمد والبيهقي عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « ما من رجل ينعش لسانه حقاً يعمل به إلا أجرى عليه أجره إلى يوم القيامة ، ثم بوَّأه الله ثوابه يوم القيامة » .
وأخرج البيهقي عن ابن عباس ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « أن داود عليه السلام قال فيما يخاطب ربه عز وجل : يا رب ، أي عبادك أحب إليك أحبه بحبك ؟ قال : يا داود أحب عبادي إليّ نقي القلب ، نقي الكفين ، لا يأتي إلى أحد سوءاً ، ولا يمشي بالنميمة ، تزول الجبال ولا يزول ، أحبني وأحب من يحبني ، وحببني إلى عبادي ، قال : يا رب إنك لتعلم إني أحبك وأحب من يحبك ، فكيف أحببك إلى عبادك ؟ ! قال : ذكرهم بآلائي وبلائي ونعمائي ، يا داود إنه ليس من عبد يعين مظلوماً ، أو يمشي معه في مظلمته ، إلا أُثَبِّتُ قدميه يوم تزل الأقدام » .
وأخرج أحمد عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « من رد عن عرض أخيه رد الله عن وجهه النار يوم القيامة » .
وأخرج ابن ماجة عن أبي هريرة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « من أعان على قتل مؤمن ولو بشطر كلمة ، لقي الله مكتوب بين عينيه آيس من رحمة الله » .
وأخرج الطبراني في الأوسط والحاكم عن ابن عباس ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « من أعان ظالماً بباطل ليدحض به حقاً فقد برئ من ذمة الله ورسوله » .
وأخرج الحاكم وصححه عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « من أعان على خصومة بغير حق كان في سخط الله حتى ينزع » .
وأخرج البخاري في تاريخه والطبراني والبيهقي في شعب الإيمان عن أوس بن شرحبيل قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « من مشى مع ظالم ليعينه وهو يعلم أنه ظالم فقد خرج من الإسلام » .
وأخرج البيهقي في شعب الإيمان عن ابن عمر ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « من حالت شفاعته دون حد من حدود الله فقد ضادّ الله في أمره ، ومن مات وعليه دين فليس بالدينار والدرهم ولكنها الحسنات والسيئات ، ومن خاصم في باطل وهو يعلمه لم يزل في سخط الله حتى ينزع ، ومن قال في مؤمن ما ليس فيه أسكنه الله ردغة الخبال حتى يخرج مما قال » .
وأخرج البيهقي من طريق فسيلة . أنها سمعت أباها وهو واثلة بن الأسقع يقول : « سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أمن المعصية أن يحب الرجل قومه ؟ قال » لا ، ولكن من المعصية أن يعين الرجل قومه على الظلم » .
وأخرج البيهقي عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « من مشى مع قوم يرى أنه شاهد وليس بشاهد فهو شاهد زور ، ومن أعان على خصومة بغير علم كان في سخط الله حتى ينزع ، وقتال المسلم كفر ، وسبابه فسوق » .
وأخرج الحاكم وصححه والبيهقي عن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن أبيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « من أعان قوماً على ظلم فهو كالبعير المتردي ، فهو ينزع بذنبه » . ولفظ الحاكم : « مثل الذي يعين قومه على غير الحق كمثل البعير يتردى ، فهو يمد بذنبه » .