فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تُحِلُّواْ شَعَـٰٓئِرَ ٱللَّهِ وَلَا ٱلشَّهۡرَ ٱلۡحَرَامَ وَلَا ٱلۡهَدۡيَ وَلَا ٱلۡقَلَـٰٓئِدَ وَلَآ ءَآمِّينَ ٱلۡبَيۡتَ ٱلۡحَرَامَ يَبۡتَغُونَ فَضۡلٗا مِّن رَّبِّهِمۡ وَرِضۡوَٰنٗاۚ وَإِذَا حَلَلۡتُمۡ فَٱصۡطَادُواْۚ وَلَا يَجۡرِمَنَّكُمۡ شَنَـَٔانُ قَوۡمٍ أَن صَدُّوكُمۡ عَنِ ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِ أَن تَعۡتَدُواْۘ وَتَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلۡبِرِّ وَٱلتَّقۡوَىٰۖ وَلَا تَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلۡإِثۡمِ وَٱلۡعُدۡوَٰنِۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَۖ إِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلۡعِقَابِ} (2)

{ لا تُحلوا } لا تعدوها مما يحل نيله .

{ شعائر } معالم الحج ، وشرائع الله ، وهدى الكعبة .

{ الشهر الحرام } مفرد يراد به الجمع ، وهي رجب وذو القعدة وذو الحجة والمحرم .

{ الهدى } ما أهدى إلى البيت الحرام من ناقة أو بقرة أو شاة .

{ القلائد } ما علق على أسنمة الهدايا وأعناقها علامة أنه لله سبحانه .

{ آمين } قاصدين . { يبتغون } يرجون ويطلبون .

{ وإذا حللتم } صرتم إلى حال الإحلال بعد أن كنتم محرمين .

{ لا يجرمنكم } لا يحملنكم . { شنآن } بغضُ وكرهُ .

إن صدوكم } أن منعوكم ، لأجل منعكم .

{ تعاونوا } ليعن بعضكم بعضا . { البر } الخير والمعروف .

{ التقوى } أداء المأمورات واجتناب المنهيات .

{ الإثم } الذنب المترتب على الجريمة . { العدوان } ظلم الناس .

{ اتقوا الله } خافوه وأطيعوه .

{ يأيها الذين آمنوا لا تحلو شعائر الله ولا الشهر الحرام ولا الهدى ولا القلائد ولا آمين البيت الحرام يبتغون فضلا من ربهم ورضوانا } عن عطاء وقد سئل عن { شعائر الله } فقال : حرمات الله ، اجتناب سخط الله ، واتباع طاعته ، فذلك شعائر الله ؛ وعن ابن عباس قال : كان المشركون يحجون البيت الحرام ، ويهدون الهدايا ، ويعظمون حرمة المشاعر ويتجرون في حجهم ، فأراد المسلمون أن يغيروا عليهم ، فقال الله عز وجل : { لا تحلوا شعائر الله } ، ومما قال ابن جرير : لا تستحلوا أيها الذين آمنوا معالم الله ، فيدخل في ذلك معالم الله كلها في مناسك الحج من تحريم ما حرم الله إصابته فيها على المحرم ، وتضييع ما نهى عن تضييعه فيها ، وفيما حرم من استحلال حرمات حرمه وغير ذلك من حدوده وفرائضه ، وحلاله وحرامه ، لأن كل ذلك من معالمه وشعائره التي جعلها أمارات بين الحق والباطل ، يعلم بها حلاله وحرامه ، وأمره ونهيه ؛ وإنما قلنا : ذلك القول أولى بتأويل قوله تعالى : { لا تحلوا شعائر الله } ، لأن الله نهى عن استحلال شعائره ، ومعالم حدوده وإحلالها ، نهيا عاما من غير اختصاص شيء من ذلك دون شيء ، فلم يجز لأحد أن يوجه معنى ذلك إلى الخصوص إلا بحجة يجب التسليم لها ؛ ولا حجة بذلك كذلك . ا ه .

{ ولا الشهر الحرام } نهى عن استحلال جنس الشهر الحرام ، والأشهُر الحرم- كما هو معلوم- أربعة : ذو القعدة ، وذو الحجة ، والمحرم ، ورجب ؛ واستحلالها يكون بالقتال فيها ؛ { ولا الهدي ولا القلائد } الهدي : ما أهدى إلى الكعبة وتَقرب به إلى الله تعالى من النسائك- الذبائح- ومفرده هدْية ، مع قلادة ، وهي ما يقلد به الهدي من نعل أو حبل أو غيره ؛ عن مجاهد قال : القلائد : اللحاء في رقاب الناس والبهائم أمن لهم ؛ وعن السدي : كان العرب يتقلدون من لحاء شجر مكة ، فيقيم الرجل بمكانه ، حتى إذا انقضت الأشهر الحرم فأراد أن يرجع إلى أهله قلد نفسه وناقته من لحاء الشجر ، فيأمن حتى يأتي أهله ؛ نهى من الله جل ذكره عن استحلال حرمة المقَلد ، هديا كان ذلك أو إنسانا ؛ { ولا آمين البيت الحرام } ولا تحلوا قاصدين البيت الحرام ؛ { يبتغون فضلا من ربهم ورضوانا } يلتمسون إذا قصدوا المسجد العتيق أرباحا في تجارتهم وأن يرضى الله عنهم بحجهم ؛ - نسخ الله من هذه الآية قوله : { ولا الشهر الحرام ولا الهدي ولا القلائد ولا آمين البيت الحرام } لإجماع الجميع على أن الله قد أحل قتال أهل الشرك في الأشهر الحرم وغيرها من شهور السنة كلها ، كذلك أجمعوا على أن المشرك لو قلد عنقه أو ذراعيه لحاء جميع أشجار الحرم لم يكن ذلك له أمانا من القتل ، إذا لم يكن تقدم له عقد ذمة من المسلمين أو أمان-( {[1662]} ) .

عن قتادة في قوله : { يبتغون فضلا من ربهم ورضوانا } قال : هم المشركون يلتمسون فضل الله ورضوانه فيما يصلح لهم دنياهم ؛ وفي رواية عنه : والفضل والرضوان اللذان يبتغون : أن يصلح معايشهم في الدنيا ، وأن لا يعجل لهم العقوبة فيها ؛ { وإذا حللتم فاصطادوا }- الصيد الذي نهيتكم أن تُحِلوه وأنتم حرم . . فلا حرج عليكم في اصطياده واصطادوا إن شئتم حينئذ-( {[1663]} ) ؛ { ولا يجرمنكم } لا يحملنكم ؛ { شنآن قوم } عن ابن عباس : لا يحملنكم بغض قوم ؛ { أن صدوكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا } ( لا يحملنكم بغض قوم قد كانوا صدوكم عن الوصول إلى المسجد الحرام- وذلك عام الحديبية- على أن تعتدوا حكم الله فيهم فتقتصوا منهم ظلما وعدوانا ، بل احكموا بما أمركم الله به من العدل في حق كل أحد ، وهذه الآية كما سيأتي من قوله : { ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى } ، وقال بعض السلف : ما عاملت مَن عصى الله فيك بمثل أن تطيع الله فيه ؛ والعدل به قامت السموات والأرض ) ( {[1664]} ) ؛ { وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان } وصانا الله تعالى أن يعين بعضنا بعضا على كل حق وخير ورشد( {[1665]} ) ، وعلى كل طاعة وقربة ، ونهى سبحانه أن يُعِين أحد أحدا على ذنب ووزر وخطيئة ، أو على جور وبغي وعدوان .

روى البخاري وغيره عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " انصر أخاك ظالما أو مظلوما " ، قيل : يا رسول الله هذا نصرته مظلوما ، فكيف أنصره إذا كان ظالما ؟ قال : " تحجزه وتمنعه عن الظلم فذاك نصره " ؛ { واتقوا الله إن الله شديد العقاب }- وهذا وعيد من الله جل ثناؤه وتهديد لمن اعتدى حده ، وتجاوز أمره ؛ يقول عز ذكره : { واتقوا الله } يعني : واحذروا الله أيها المؤمنون أن تَلُقَوه في معادكم وقد اعتديتم حده فيما حد لكم ، وخالفتم أمره فيما أمركم به ، أو نهيه فيما نهاكم عنه ، فتستوجبوا عقابه ، وتستحقوا أليم عذابه ، ثم وصف عقابه بالشدة ، فقال عز ذِكْره : إن الله شديد عقابه لمن عاقبه من خلقه ، لأنها نار لا يطفأ حرها ، ولا يخمد جمرها ، ولا يسكن لهبها ، نعوذ بالله منها ومن عمل يقربنا منها-( {[1666]} ) .


[1662]:من جامع البيان.
[1663]:من جامع البيان.
[1664]:ما بين العلامتين( ) من تفسير القرآن العظيم.
[1665]:وهكذا، فالبر كلمة جامعة لكل خير، ولقد بينت آية كريمة واحدة سبعة عشر بابا من أبواب البر، وذلك قوله سبحانه:(..ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون...) من الآية 177 من سورة البقرة.
[1666]:من جامع البيان.