البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تُحِلُّواْ شَعَـٰٓئِرَ ٱللَّهِ وَلَا ٱلشَّهۡرَ ٱلۡحَرَامَ وَلَا ٱلۡهَدۡيَ وَلَا ٱلۡقَلَـٰٓئِدَ وَلَآ ءَآمِّينَ ٱلۡبَيۡتَ ٱلۡحَرَامَ يَبۡتَغُونَ فَضۡلٗا مِّن رَّبِّهِمۡ وَرِضۡوَٰنٗاۚ وَإِذَا حَلَلۡتُمۡ فَٱصۡطَادُواْۚ وَلَا يَجۡرِمَنَّكُمۡ شَنَـَٔانُ قَوۡمٍ أَن صَدُّوكُمۡ عَنِ ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِ أَن تَعۡتَدُواْۘ وَتَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلۡبِرِّ وَٱلتَّقۡوَىٰۖ وَلَا تَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلۡإِثۡمِ وَٱلۡعُدۡوَٰنِۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَۖ إِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلۡعِقَابِ} (2)

القلادة في الهدي : ما قلد به من نعل ، أو عروة مزادة ، أو لحا شجر أو غيره ، وكان الحرمي ربما قلّد ركابه بلحاً شجر الحرم ، فيعتصم بذلك من السوء .

الآمُّ : القاصد أممت الشيء قصدته .

جرمه على كذا حمله ، قاله : الكسائي وثعلب .

وقال أبو عبيدة والفراء : جرمه كسبه ، ويقال : فلان جريمة أهله أي كاسبهم ، والجارم الكاسب .

وأجرم فلان اكتسب الإثم .

وقال الكسائي أيضاً : جرم وأجرم أي كسب غيره ، وجرم يجرم جرماً إذا قطع .

قال الرماني : وهو الأصل ، فجرم حمل على الشيء لقطعه من غيره ، وجرم كسب لانقطاعه إلى الكسب ، وجرم بمعنى حق ، لأن الحق يقطع عليه .

قال الخليل : لا جرّم أن لهم النار أي لقد حق .

الشنآن : البغض ، وهو أحد مصادر شيء .

يقال : شنيء يشنأ شنأ وشنآنا مثلثي الشين فهذه ستة : وشناء ، وشناءة ، وشناء ، وشنأة ، ومشنأة ، ومشنئة ، ومشنئة ، وشنانا ، وشنانا .

فهذه ستة عشر مصدراً وهي أكثر ما حفظ للفعل .

وقال سيبويه : كل بناء كان من المصادر على فعلان بفتح العين لم يتعد فعله إلا أن يشذ شيء كالشنآن .

المعاونة : المساعدة .

{ يا أيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله } خرج سريح أحد بني ضبيعة إلى مكة حاجاً وساق الهدي .

وفي رواية ومعه تجارة ، وكان قبل قد قدم المدينة وتكلم مع الرسول صلى الله عليه وسلم وتروّى في إسلامه ، وقال الرسول عليه السلام : « لقد دخل بوجه كافر وخرج بعقبي غادر » فمر بسرح بالمدينة فاستاقه ، فلما قدم مكة عام الحديبية أراد أهل السرح أن يغيروا عليه ، واستأذنوا الرسول ، فنزلت .

وقال السدي : اسمه الحطيم بن هند البلدي أحد بني ضبيعة ، وأراد الرسول أن يبعث إليه ناساً من أصحابه فنزلت .

وقال ابن زيد : نزلت بمكة عام الفتح وحج المشركون واعتمروا فقال المسلمون : يا رسول الله إن هؤلاء مشركون فلن ندعهم إلا أن نغير عليهم ، فنزل القرآن .

{ ولا آمّين البيت الحرام } والشعائر جمع شعيرة أو شعارة ، أي : قد أشعر الله أنها حده وطاعته ، فهي بمعنى معالم الله ، وتقدم تفسيرها في { إن الصفا والمروة من شعائر الله } قال الحسن : دين الله كله يعني شرائعه التي حدها لعباده ، فهو عام في جميع تكاليفه تعالى .

وقال ابن عباس : ما حرم عليكم في حال الإحرام .

وقال أيضاً هو ومجاهد : مناسك الحج .

وقال زيد بن أسلم : شعائر الحج وهي ست : الصفا والمروة ، والبدن ، والجمار ، والمشعر الحرام ، وعرفة ، والركن .

وقال أيضاً : المحرمات خمس : الكعبة الحرام ، والبلد الحرام ، والشهر الحرام ، والمسجد الحرام ، حتى يحل .

وقال ابن الكلبي : كان عامّة العرب لا يعدون الصفا والمروة من الشعائر ، وكانت قريش لا تقف بعرفات ، فنهوا عن ذلك .

وقيل : الأعلام المنصوبة المتفرقة بين الحل والحرم نهوا أن يتجاوزوها إلى مكة بغير إحرام .

وقال أبو عبيدة : هي الهدايا تطعن في سنامها وتقلد .

قال : ويدل عليه { والبدن جعلناها لكم من شعائر الله } وضعف قوله ، بأنه قد عطف عليه .

والهدي والقلائد .

وقيل : هي ما حرم الله مطلقاً سواء كان في الإحرام أو غيره .

وقال الزمخشري : هي ما أشعر أي جعل إشعاراً وعلماً للنسك من مواقف الحج ومرامي الجمار والطواف والأفعال التي هي علامات الحاج يعرف بها من الإحرام والطواف والسعي والحلق والنحر انتهى .

{ ولا الشهر الحرام } الظاهر أنه مفرد معهود .

فقال الزمخشري : هو شهرالحج .

وقال عكرمة وقتادة : هو ذو القعدة من حيث كان أول الأشهر الحرم .

وقال الطبري وغيره : رجب .

ويضاف إلى مضر لأنها كانت تحرم فيه القتال وتعظمه ، وتزيل فيه السلاح والأسنة من الرماح .

وكانت العرب مجمعة على تعظيم ذي القعدة وذي الحجة ، ومختلفة في رجب ، فشدد تعالى أمره .

فهذا وجه التخصيص بذكره .

وقيل : الشهر مفرد محلى بأل الجنسية ، فالمراد به عموم الأشهر الحرم وهي : ذو القعدة ، وذو الحجة ، والمحرم ، ورجب .

والمعنى : لا تحلوا بقتال ولا غارة ولا نهب .

قال مقاتل : وكان جنادة بن عوف يقوم في سوق عكاظ كل يوم فيقول : ألا إني قد حللت كذا وحرمت كذا .

{ ولا الهدي } قال ابن عطية : لا خلاف أن الهدي ما هدي من النعم إلى بيت الله ، وقصد به القربة ، فأمر تعالى أن لا يستحل ، ولا يغار عليه انتهى .

والخلاف عن المفسرين فيه موجود .

قيل : هو اسم لما يهدى إلى بيت الله من ناقة أو بقرة أو شاة أو صدقة ، وغيرها من الذبائح والصدقات .

وقيل : هو ما قصد به وجه الله ومنه في الحديث : ثم « كالمهدي دجاجة ، ثم كالمهدي بيضة » فسمى هذه هدياً .

وقيل : الشعائر البدن من الأنعام ، والهدي البقر والغنم والثياب وكل ما أهدي .

وقيل : الشعائر ما كان مشعراً بإسالة الدم من سنامه أو بغيره من العلائم ، والهدي ما لم يشعر اكتفى فيه بالتقليد .

وقال من فسر الشعائر بالمناسك ، ذكر الهدي تنبيهاً على تفصيلها .

{ ولا القلائد } قال مجاهد ، وعطاء ، ومطرف بن الشخير : القلائد هي ما كانوا يتقلّدون به من شجر الحرم ليأمنوا به ، فنُهي المؤمنون عن فعل الجاهلية ، وعن أخذ القلائد من شجر الحرم .

وفي الحديث : « لا يختلى خلاها ولا يعضد شجرها » .

وقال الجمهور : القلائد ما كانوا يتقلدونه من السمر إذا خرجوا إلى الحج ، فيكون ذلك علامة حجة .

وقيل : أو ما يقلده الحرمي إذا خرج لحاجة ، ليدل ذلك على أنه حرمي ، فنهى تعالى عن استحلال من يحرم بشيء من هذه .

وحكى الطبري عن ابن عباس : أنّ القلائد هي الهدى المقلد ، وأنه إنما سمي هدياً ما لم يقلد ، فكأنه قال : ولا الهدي الذي لم يقلد ولا المقلد منه .

قال ابن عطية : وهذا تحامل على ألفاظ ابن عباس ، وليس من كلامه أن الهدي ، إنما يقال : لما لم يقلد .

وإنما يقتضي أنه تعالى نهى عن الهدي جملة ، ثم ذكر المقلد منه تأكيداً ومبالغة في التنبيه على الحرمة في المقلد .

وقيل : أراد القلائد نفسها فنهى عن التعرض لقلائد الهدي مبالغة في النهي عن التعرض للهدي ، أي : لا تحلوا قلائدها فضلاً عن أن تحلوها كما قال تعالى : { ولا يبدين زينتهنّ } نهى عن إبداء الزينة مبالغة في النهي عن إبداء مواقعها .

وقال الطبري : تأويله أنه نهى عن استحلال حرمة المقلد هدياً كان أو إنساناً ، واجتزأ بذكر القلائد عن ذكر المقلد إذ كان مفهوماً عند المخاطب .

{ ولا آمّين البيت الحرام } وقرأ عبد الله وأصحابه : ولا آمي بحذف النون للإضافة إلى البيت ، أي ولا تحلوا قوماً قاصدين المسجد الحرام ، وهم الحجاج والعمار .

قال الزمخشري : وإحلال هذه أي : يتهاون بحرمة الشعائر ، وأن يحال بينها وبين المتنسكين وأن يحدثوا في أشهر الحج ما يصدون به الناس عن الحج ، وأن يتعرّض للهدي بالغصب أو بالمنع من بلوغ محله .

{ يبتغون فضلاً من ربهم ورضواناً } قرأ الجمهور يبتغون بالياء ، فيكون صفة لآمين .

وفسر الزمخشري الفضل بالثواب ، وهو قول بعضهم .

وقيل : الفضل التجارة والأرباح فيها .

وقيل : الزيادة في الأموال والأولاد يبتغون رجاء الزيادة في هذا .

وأما الرضوان فإنهم كانوا يقصدونه وإن كانوا لا ينالونه ، وابتغاء الشيء لا يدل على حصوله .

وقيل : هو توزيع على المشركين ، فمنهم من كان يبتغي التجارة إذ لا يعتقد معاداً ، ومنهم من يبتغي الراضون بالحج إذ كان منهم من يعتقد الجزاء بعد الموت وأنه يبعث ، وإن كان لا يحصل له رضوان الله ، فأخبر بذلك على بناء ظنه .

وقيل : كان المسلمون والمشركون يحجون ، فابتغاء الفضل منهما ، وابتغاء الرضوان من المؤمنين .

وقال قتادة : هو أن يصلح معايشهم في الدنيا ، ولا يعجِّل لهم العقوبة فيها .

وقال قوم : الفضل والرضوان في الآية في معنى واحد وهو رضا الله تعالى وفضله بالرحمة .

نهى تعالى أن يتعرض لقوم هذه صفتهم تعظيماً لهم واستنكاراً أن يتعرض لمثلهم .

وفي النهي عن التعرض لهم استئلاف للعرب ولطف بهم وتنشيط لورود الموسم ، وفي الموسم يسمعون القرآن ، وتقوم عليهم الحجة ، ويرجى دخولهم في الإيمان كالذي كان .

ونزلت هذه الآية عام الفتح ، فكل ما كان فيها في حق مسلم حاج فهو محكم ، أو في حق كافر فهو منسوخ ، نسخ ذلك بعد عام سنة تسع ، إذ حج أبو بكر ونودي في الناس بسورة براءة .

وقول الحسن وأبي ميسرة : ليس فيها منسوخ ، قول مرجوح .

وقرأ حميد بن قيس والأعرج : تبتغون بالتاء خطاباً للمؤمنين ، والمعنى على الخطاب أنّ المؤمنين كانوا يقصدون قتالهم والغارة عليهم ، وصدهم عن المسجد الحرام امتثالاً لأمر الله وابتغاء مرضاته ، إذ أمر تعالى بقتال المشركين ، وقتلهم وسبي ذراريهم ، وأخذ أموالهم ، حتى يؤمنوا أو يعطوا الجزية .

وقرأ الأعمش : ورضواناً بضم الراء ، وتقدم في آل عمران أنها قراءة أبي بكر عن عاصم ، حيث وقع إلا في ثاني هذه السورة ، فعنه فيه خلاف .

{ وإذا حللتم فاصطادوا } تضمن آخر قوله : أحلت لكم تحريم الصيد حالة الإحرام ، وآخر قوله : لا تحلوا شعائر الله ، النهي عن إحلال آمي البيت ، فجاءت هذه الجملة راجعاً حكمها إلى الجملة الأولى ، وجاء ما بعدها من قوله : { ولا يجرمنكم } راجعاً إلى الجملة الثانية ، وهذا من بليغ الفصاحة .

فليست هذه الجملة اعتراضاً بين قوله : ولا آمين البيت الحرام ، وقوله : ولا يجرمنكم ، بل هي مؤسسة حكماً لا مؤكدة مسددة فيكون أصل التركيب : ولا آمين البيت الحرام بيتغون فضلاً من ربهم ورضواناً ولا يجرمنكم ، كما ذهب إليه بعضهم وجعل من ذلك قصة ذبح البقرة ، فقال : وجه النظر أن يقال :

{ وإذ قتلتم نفساً } الآية ثم يقال : { وإذ قال موسى لقومه } وكثيراً ما ذكر هذا الرجل التقديم والتأخير في القرآن ، والعجب منه أنه يجعله من علم البيان والبديع ، وهذا لا يجوز عندنا إلا في ضرورة الشعر ، وهو من أقبح الضرائر ، فينبغي بل يجب أن ينزه القرآن عنه .

قال : والسبب في هذا أن الصحابة لما جمعوا القرآن لم يرتبوه على حكم نزوله ، وإنما رتبوه على تقارب المعاني وتناسق الألفاظ ، وهذا الذي قاله ليس بصحيح ، بل الذي نعتقد أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي رتبه لا الصحابة ، وكذلك نقول في سورة وإن خالف في ذلك بعضهم .

والأمر بالاصطياد هنا أمر إباحة بالإجماع ، ولهذا قال الزمخشري : وإذا حللتم فلا جناح عليكم أن تصطادوا انتهى .

ولما كان الاصطياد مباحاً ، وإنما منع منه الإحرام ، وإذا زال المانع عاد إلى أصله من الإباحة .

وتكلموا هنا على صيغة الأمر إذا جاءت بعد الحظر ، وعليها إذا جاءت مجردة عن القرائن ، وعلى ما تحمل عليه ، وعلى مواقع استعمالها ، وذلك من علم أصول الفقه فيبحث عن ذلك فيه .

وقرئ : فإذا حللتم وهي لغة يقال : حل من إحرامه وأحل .

وقرأ أبو واقد ، والجراح ، ونبيح ، والحسن بن عمران : فاصطادوا بكسر الفاء .

قال الزمخشري : قيل هو بدل من كسر الهمزة عند الابتداء .

وقال ابن عطية : وهي قراءة مشكلة ، ومن توجيهها أن يكون راعي كسر ألف الوصل إذا بدأت فقلت : اصطادوا بكسر الفاء مراعاة وتذكرة لأصل ألف الوصل انتهى .

وليس عندي كسراً محضاً بل هو من باب الإمالة المحضة لتوهم وجود كسرة همزة الوصل ، كما أمالوا الفاء في ، فإذا لوجود كسرة إذا .

{ ولا يجرمنكم شنآن قوم أن صدّوكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا } قال ابن عباس وقتادة : ولا يجرمنكم أي لا يحملنكم ، يقال : جرمني كذا على بغضك .

فيكون أنْ تعتدوا أصله على أن تعتدوا ، وحذف منه الجار .

وقال قوم : معناها كسب التي تتعدى إلى اثنين ، فيكون أن تعتدوا في موضع المفعول الثاني أي : اعتداؤكم عليكم .

وتتعدى أيضاً إلى واحد تقول : أجرم بمعنى كسب المتعدّية لاثنين ، يقال في معناها : جرم وأجرم .

وقال أبو علي : أجرم أعرفه الكسب في الخطايا والذنوب .

وقرأ الحسن ، وابراهيم .

وابن وثاب ، والوليد عن يعقوب : يجرمنكم بسكون النون ، جعلوا نون التوكيد خفيفة .

قال الزمخشري : والمعنى لا يكسبنكم بغض قوم ، لأنّ صدوكم الاعتداء ، ولا يحملنكم عليه انتهى .

وهذا تفسير معنى لا تفسير إعراب ، لأنه يمتنع أن يكون مدلول حمل وكسب في استعمال واحد لاختلاف مقتضاهما ، فيمتنع أن يكون : أن تعتدوا في محل مفعول به ، ومحل مفعول على إسقاط حرف الجر .

وقرأ النحويان وابن كثير ، وحمزة ، وحفص ، ونافع : شنآن بفتح النون .

وقرأ ابن عامر وأبو بكر بسكونها ، ورويت عن نافع .

والأظهر في الفتح أن يكون مصدراً ، وقد كثر مجيء المصدر على فعلان ، وجوزوا أن يكون وصفاً وفعلان في الأوصاف موجود نحو قولهم : حمار قطوان أي : عسير السير ، وتيس عدوان كثير العدو ، وليس في الكثرة كالمصدر .

قالوا : فعلى هذا يكون المعنى لا يجرمنكم بغض قوم .

ويعنون ببغيض مبغض اسم فاعل ، لأنه من شنيء بمعنى البغض .

وهو متعد وليس مضافاً للمفعول ولا لفاعل بخلافه إذا كان مصدراً ، فإنه يحتمل أن يكون مضافاً للمفعول وهو الأظهر .

ويحتمل أن يكون مضافاً إلى الفاعل أي : بغض قوم إياكم ، والأظهر في السكون أن يكون وصفاً ، فقد حكى رجل شنآن وامرأة شنآنة ، وقياس هذا أنه من فعل متعد .

وحكى أيضاً شنآن وشنأى مثل عطشان وعطشى ، وقياسه أنه من فعل لازم .

وقد يشتق من لفظ واحد المتعدي واللازم نحو : فغر فاه ، وغرَّفوه بمعنى فتح وانفتح .

وجوز أن يكون مصدراً وقد حكى في مصادر شنيء ، ومجيء المصدر على فعلان بفتح الفاء وسكون العين قليل ، قالوا : لويته دينه لياناً .

وقال الأحوص :

وما الحب إلا ما تحب وتشتهي *** وإن لام فيه ذو الشنان وفندا

أصله الشنآن ، فحذف الهمزة ونقل حركتها إلى الساكن قبلها .

والوصف في فعلان أكثر من المصدر نحو رحمان .

وقرأ أبو عمرو ، وابن كثير : إنْ صدوكم بكسر الهمزة على أنها شرطية ، ويؤيد قراءة ابن مسعود : إنْ صدوكم وأنكر ابن جرير والنحاس وغيرهما قراءة كسران ، وقالوا : إنما صد المشركون الرسول والمؤمنون عام الحديبية ، والآية نزلت عام الفتح سنة ثمان ، والحديبية سنة ست ، فالصد قبل نزول الآية ، والكسر يقتضي أن يكون بعد ، ولأنّ مكة كانت عام الفتح في أيدي المسلمين ، فكيف يصدون عنها وهي في أيديهم ؟ وهذا الإنكار منهم لهذه القراءة صعب جداً ، فإنها قراءة متواترة ، إذ هي في السبعة ، والمعنى معها صحيح ، والتقدير : إن وقع صدّ في المستقبل مثل ذلك الصد الذي كان زمن الحديبية ، وهذا النهي تشريع في المستقبل .

وليس نزول هذه الآية عام الفتح مجمعاً عليه ، بل ذكر اليزيدي أنها نزلت قبل أن يصدّوهم ، فعلى هذا القول يكون الشرط واضحاً .

وقرأ باقي السبعة : أن بفتح الهمزة جعلوه تعليلاً للشنآن ، وهي قراءة واضحة أي : شنآن قوم من أجل أنْ صدوكم عام الحديبية عن المسجد الحرام .

والاعتداء الانتقام منهم بإلحاق المكروه بهم .

{ وتعاونوا على البر والتقوى } لما نهى عن الاعتداء بأمر بالمساعدة والتظافر على الخير ، إذ لا يلزم من النهي عن الاعتداء التعاون على الخير ، لأنّ بينهما واسطة وهو الخلو عن الاعتداء والتعاون .

وشرح الزمخشري البر والتقوى بالعفو والإغضاء ، قال : ويجوز أن يراد العموم لكل بر وتقوى ، فيتناول العفو انتهى .

وقال قوم : هما بمعنى واحد ، وكرر لاختلاف اللفظ تأكيداً .

قال ابن عطية : وهذا تسامح ، والعرف في دلالة هذين اللفظين يتناول الواجب والمندوب إليه ، والتقوى رعاية الواجب .

فإن جعل أحدهما بدل الآخر فتجوّز انتهى .

وقال ابن عباس : البر ما ائتمرت به ، والتقوى ما نهيت عنه .

وقال سهل : البر الإيمان ، والتقوى السنة .

يعني : اتباع السنة .

{ ولا تعاونوا على الإثم والعدوان } الإثم : المعاصي ، والعدوان : التعدي في حدود الله قاله عطاء .

وقيل : الإثم الكفر ، والعصيان والعدوان البدعة .

وقيل : الإثم الحكم اللاحق للجرائم ، والعدوان ظلم الناس قاله : ابن عطية .

وقال الزمخشري : الإثم والعدوان الانتقام والتشفي قال : ويجوز أن يراد العموم لكل إثم وعدوان .

{ واتقوا الله إن الله شديد العقاب } أمر بالتقوى مطلقة ، وإن كان قد أمر بها في التعاون تأكيداً لأمرها ، ثم علل ذلك بأنه شديد العقاب .

فيجب أن يتقى وشدّة عقابه بكونه لا يطيقه أحد ولاستمراره ، فإن غالب الدنيا منقض .

وقال مجاهد : نزلت نهياً عن الطلب بدخول الجاهلية إذ أراد قوم من المؤمنين ذلك ، ولقد قيل : ذلك حليف لأبي سفيان من هذيل .