تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{لَّقَدۡ كَانَ لَكُمۡ فِي رَسُولِ ٱللَّهِ أُسۡوَةٌ حَسَنَةٞ لِّمَن كَانَ يَرۡجُواْ ٱللَّهَ وَٱلۡيَوۡمَ ٱلۡأٓخِرَ وَذَكَرَ ٱللَّهَ كَثِيرٗا} (21)

هذه الآية الكريمة أصل كبير في التأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم في أقواله وأفعاله وأحواله ؛ ولهذا أمر الناس بالتأسي بالنبي{[23260]} صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب ، في صبره ومصابرته ومرابطته ومجاهدته وانتظاره الفرج من ربه ، عز وجل ، صلوات الله وسلامه عليه دائما إلى يوم الدين ؛ ولهذا قال تعالى للذين تقلقوا وتضجروا وتزلزلوا واضطربوا في أمرهم يوم الأحزاب : { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ } أي : هلا اقتديتم به وتأسيتم بشمائله ؟ ولهذا قال : { لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا } .


[23260]:- في ت: "برسول الله".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{لَّقَدۡ كَانَ لَكُمۡ فِي رَسُولِ ٱللَّهِ أُسۡوَةٌ حَسَنَةٞ لِّمَن كَانَ يَرۡجُواْ ٱللَّهَ وَٱلۡيَوۡمَ ٱلۡأٓخِرَ وَذَكَرَ ٱللَّهَ كَثِيرٗا} (21)

القول في تأويل قوله تعالى : { لّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لّمَن كَانَ يَرْجُو اللّهَ وَالْيَوْمَ الاَخِرَ وَذَكَرَ اللّهَ كَثِيراً * وَلَمّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الأحْزَابَ قَالُواْ هََذَا مَا وَعَدَنَا اللّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلاّ إِيمَاناً وَتَسْلِيماً } .

اختلفت القرّاء في قراءة قوله : أُسْوَةٌ فقرأ ذلك عامة قرّاء الأمصار : «إسْوَةٌ » بكسر الألف ، خلا عاصم بن أبي النجود ، فإنه قرأه بالضمّ : أُسْوَةٌ . وكان يحيى بن وثاب يقرأ هذه بالكسر ، ويقرأ قوله لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ بالضمّ ، وهما لغتان . وذُكر أن الكسر في أهل الحجاز ، والضمّ في قيس . يقولون : أُسوة ، وأُخوة . وهذا عتاب من الله للمتخلفين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعسكره بالمدينة ، من المؤمنين به . يقول لهم جلّ ثناؤه : لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة ، أن تتأسوا به ، وتكونوا معه حيث كان ، ولا تتخلّفوا عنه . لِمَنْ كانَ يَرْجُو اللّهَ يقول : فإن من يرجو ثواب الله ورحمته في الاَخرة لا يرغب بنفسه ، ولكنه تكون له به أُسوة في أن يكون معه حيث يكون هو . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، قال : ثني يزيد بن رومان ، قال : ثم أقبل على المؤمنين ، فقال لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لمَنْ كانَ يَرْجُو اللّهَ وَاليَومَ الاَخِرَ أن لا يرغبوا بأنفسهم عن نفسه ، ولا عن مكان هو به . وَذَكَرَ اللّهَ كَثِيرا يقول : وأكثر ذكر الله في الخوف والشدّة والرخاء .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{لَّقَدۡ كَانَ لَكُمۡ فِي رَسُولِ ٱللَّهِ أُسۡوَةٌ حَسَنَةٞ لِّمَن كَانَ يَرۡجُواْ ٱللَّهَ وَٱلۡيَوۡمَ ٱلۡأٓخِرَ وَذَكَرَ ٱللَّهَ كَثِيرٗا} (21)

{ لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة } خصلة حسنة من حقها أن يؤتسى بها كالثبات في الحرب ومقاساة الشدائد ، أو هو في نفسه قدوة يحس التأسي به كقولك في البيضة عشرون منا حديدا أي هي في نفسها هذا القدر من الحديد ، وقرأ عاصم بضم الهمزة وهو لغة فيه . { لمن كان يرجوا الله واليوم الآخر } أي ثواب الله أو لقاءه ونعيم الآخرة ، أو أيام الله واليوم الآخر خصوصا . وقيل هو كقولك أرجو زيدا وفضله ، فإن { اليوم الآخر } داخل فيها بحسب الحكم والرجاء يحتمل الأمل والخوف و { لمن } كان صلة لحسنة أو صفة لها . وقيل بدل من { لكم } والأكثر على أن ضمير المخاطب لا يبدل منه . { وذكر الله كثيرا } وقرن بالرجاء كثرة الذكر المؤدية إلى ملازمة الطاعة ، فإن المؤتسي بالرسول من كان كذلك .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{لَّقَدۡ كَانَ لَكُمۡ فِي رَسُولِ ٱللَّهِ أُسۡوَةٌ حَسَنَةٞ لِّمَن كَانَ يَرۡجُواْ ٱللَّهَ وَٱلۡيَوۡمَ ٱلۡأٓخِرَ وَذَكَرَ ٱللَّهَ كَثِيرٗا} (21)

ثم أخبر تعالى على جهة الموعظة بأن كل مسلم ومدع في الإسلام لقد كان يجب أن يقتدي بمحمد عليه السلام حين قاتل وصبر وجاد بنفسه{[9482]} . وقرأ جمهور الناس «إسوة » بكسر الهمزة ، وقرأ عاصم وحده «أُسوة » بضم الهمزة وهما لغتان معناه قدوة ، وتأسى الرجل إذا اقتدى ، ورجاء الله تعالى تابع للمعرفة به ، ورجاء اليوم الآخر ثمرة العمل الصالح ، { وذكر الله كثيراً } من خير الأعمال ، فنبه عليه ، وفي مصحف عبد الله بن مسعود «يحسبون الأحزاب قد ذهبوا فإذا وجدوهم لم يذهبوا ودوا لو أنهم بادون في الأعراب » .


[9482]:ومن مظاهر ذلك أنه صلى الله عليه وسلم قد شج وجهه، وكسرت رباعيته، وأن عمه حمزة رضي الله عنه قد قتل، وأنه جاع وربط على بطنه من شدة الجوع، ولم ير غلا صابرا محتسبا، وشاكرا راضيا، والأسوة بالرسول يجب أن تمتد إلى حياته كلها.