فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{لَّقَدۡ كَانَ لَكُمۡ فِي رَسُولِ ٱللَّهِ أُسۡوَةٌ حَسَنَةٞ لِّمَن كَانَ يَرۡجُواْ ٱللَّهَ وَٱلۡيَوۡمَ ٱلۡأٓخِرَ وَذَكَرَ ٱللَّهَ كَثِيرٗا} (21)

{ لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ الله أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ } أي قدوة صالحة ، يقال : لي في فلاة أسوة ، أي لي به ، والأسوة من الائتساء ، كالقدوة من الاقتداء : اسم يوضع موضع المصدر . قال الجوهري : والأسوة والإسوة بالضم والكسر ، والجمع أسى وإسى . قرأ الجمهور { أسوة } بالضم للهمزة ، وقرأ عاصم بكسرها ، وهما لغتان كما قال الفراء وغيره .

وفي هذه الآية عتاب للمتخلفين عن القتال مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أي لقد كان لكم في رسول الله حيث بذل نفسه للقتال وخرج إلى الخندق لنصرة دين الله أسوة ، وهذه الآية وإن كان سببها خاصاً ، فهي عامة في كل شيء ، ومثلها { مَا آتاكم الرسول فَخُذُوهُ وَمَا نهاكم عَنْهُ فانتهوا } [ الحشر : 7 ] ، وقوله : { قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ الله فاتبعوني يُحْبِبْكُمُ الله } [ آل عمران : 31 ] ، واللام في { لّمَن كَانَ يَرْجُو الله واليوم الآخر } متعلق ب{ حسنة } ، أو بمحذوف هو صفة ل{ حسنة } ، أي كائنة لمن يرجو الله . وقيل : إن الجملة بدل من الكاف في لكم ، وردّه أبو حيان وقال : إنه لا يبدل من ضمير المخاطب بإعادة الجار .

ويجاب عنه بأنه قد أجاز ذلك الكوفيون والأخفش وإن منعه البصريون ، والمراد ب{ من كان يرجو الله } : المؤمنون ؛ فإنهم الذين يرجون الله ويخافون عذابه ، ومعنى يرجون الله : يرجون ثوابه أو لقاءه ، ومعنى يرجون اليوم الآخر : أنهم يرجون رحمة الله فيه ، أو يصدقون بحصوله وأنه كائن لا محالة ، وهذه الجملة تخصيص بعد التعميم بالجملة الأولى { وَذَكَرَ الله كَثِيراً } معطوف على { كان } ، أي ولمن ذكر الله في جميع أحواله ذكراً كثيراً ، وجمع بين الرجاء لله والذكر له ، فإن بذلك تتحقق الأسوة الحسنة برسول الله صلى الله عليه وسلم .

/خ25