اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{لَّقَدۡ كَانَ لَكُمۡ فِي رَسُولِ ٱللَّهِ أُسۡوَةٌ حَسَنَةٞ لِّمَن كَانَ يَرۡجُواْ ٱللَّهَ وَٱلۡيَوۡمَ ٱلۡأٓخِرَ وَذَكَرَ ٱللَّهَ كَثِيرٗا} (21)

( قوله ) تعالى : { لََقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ الله أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ } قرأ عاصم : «أُسْوَةٌ » بضم الهمزة حيث وَقَعَتْ هذه اللفظة والباقون بكسرها{[43319]} . وهما لغتان كالغُدْوَةِ والغِدْوَةِ{[43320]} والقُدْوَةِ والقِدْوةِ والأُسْوة بمعنى الاقتداء أي قدوة صالحة ، وهي اسمٌ وُضِعَ مَوْضِعَ المَصْدَرِ وهو «الايتساء » فالأسوة من الايتساء كالقُدْوَة من الاقْتِدَاء ، وائْتَسَى فُلانٌ بِفُلاَنٍ أي اقْتَدَى به{[43321]} ، وأسوة اسم «كان » وفي الخبر وجهان :

أحدهما : هو «لكم »{[43322]} فيجوز في الجار الآخر{[43323]} وجوه : التعلق بما يتعلق به الخبر{[43324]} ، أي بمحذوف على أنه حال من «أُسْوَةٍ »{[43325]} ؛ إذ لو تأخر لكان صفةً أو «بكان » على مذهب من يَرَاهُ{[43326]} .

الثاني : أن الخبر هو : «فِي رَسُولِ اللَّهِ » و «لَكُمْ » على ما تقدم في «رسول الله » أو يتعلق بمحذوف على التبيين أَعْنِي لَكُمْ{[43327]} .

قوله : { لِمَن كَانَ يَرْجُو } فيه أوجه :

أحدها : أنه بدل من الكاف في «لَكُمْ » قاله الزمخشري{[43328]} ، ومنعه أبو البقاء ، وتابعه أبو حيان ، قال أبو البقاء : وقيل : هو بدل من ضمير المُخَاطَبِ بإعادة الجارِّ ، ومنع منه الأكثرون ؛ لأن ضمير المخاطب لا يبدل منه{[43329]} . وقال أبو حيان{[43330]} : قال الزمخشري بدل من «لكم » كقوله : { استضعفوا لِمَنْ آمَنَ منهم } [ الأعراف : 75 ] . قال : ولا يجوز على{[43331]} مذهب جمهور البصريين أن يبدل من ضمير المتكلم ولا من ضمير المخاطب بدل شيء من شيء وهما لعين واحدة وأجاز ذلك الكوفيون والأخفش وأنشد :

4077 - بِكُمْ قُرَيْشٍ كُفِينَا كُلَّ مُعْضِلَةٍ *** وأَمَّ نَهْجَ الهُدَى مَنْ كَانَ ضِلّيلاً{[43332]}

قال شهاب الدين : لا نسلم أن هذا بدل{[43333]} شيء من شيء وهما لعين واحدة ، بل بدل بعض من كل باعتبار الواقع لأن الخطاب في قوله : «لكُم » أعمّ مِن : «مَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وغَيْره » ثم خصص ذلك العموم لأن المتأَسِّيَ به عليه ( الصلاة{[43334]} و ) السلام في الواقع إنما هم المؤمنون ويدل عليه{[43335]} ما قلته ظاهر تشبيه الزمخشري هذه الآية بآية الأعراف ، وآية الأعراف البدل فيها بدل كل من كل ومجابٌ{[43336]} بأنه إنما قصد التشبيه في مجرد إعادة العامل .

والثاني : أن يتعلق بمحذوف على أنه صفة «لحَسَنَةٍ »{[43337]} .

والثالث : أن يتعلق بنفس «حسنة » قالهما{[43338]} أبو البقاء ، ومنع أن يتعلق بأسوة قال : لأنها قد{[43339]} وصفت و «كَثِيراً » أي ذِكْراً كَثِيراً{[43340]} .

فصل :

لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة أي قدوة صالحة أن تنصروا دين الله وتؤازروا الرسول ولا تتخلفوا عنه وتصبروا على ما يصيبكم كما فعل هو إذا كسرت رُبَاعِيَّتُهُ ، وجرح وَجْهُهُ وقتل عمه ، وأوذي بَضُروبٍ من الأذى فواساكم مع ذلك بنفسه فافعلوا أنتم كذلك أيضاً ، واستنوا بسنته { لِمَن كَانَ يَرْجُو الله واليوم الآخر } قال ابن عباس لمن كان{[43341]} يرجو ثواب الله . وقال مقاتل : يخشى الله واليوم الآخر{[43342]} أي يخشى يوم البعث الذي فيه جزاء الأعمال وذكر الله كثيراً في جميع المواطن على السراء والضراء ،


[43319]:السبعة 520 والإتحاف 354 ومعاني الفراء 2/339.
[43320]:فالضم لقيس والحسن وأهل الحجاز يقرؤون إسوة- بالكسر- حكاه الفراء في معانيه 2/339.
[43321]:نقله السمين في الدر 4/376.
[43322]:المرجع السابق وانظر كذلك التبيان 1054.
[43323]:وهو: "في رسول الله".
[43324]:وهو الاستقرار لا بأسوة.
[43325]:قالهما السمين في الدر 4/376 وأبو البقاء في التبيان 1055.
[43326]:أي على مذهب من يرى أن كان وأخواتها تعمل في الخبر "جارًّا وظرفاً".
[43327]:قالهما أبو حيان في البحر 7/222 وأبو البقاء في التبيان 1055 والسمين في الدر 4/376.
[43328]:انظر: الكشاف 3/256.
[43329]:التبيان 1055.
[43330]:البحر المحيط 7/222.
[43331]:المرجع الأخير السابق.
[43332]:البيت من بحر البسيط وهو مجهول قائله وشاهده في "بكم قريش" حيث أبدل "قريشاً" من الكاف في "بكم" وعامة الجمهور لا يجيزه وأجازه الأخفشُ والكوفيون وعلى ذلك استشهدوا بهذا البيت. وقد تقدم.
[43333]:نقله شهاب الدين السمين في الدر 4/376 و 377.
[43334]:زيادة من "ب".
[43335]:في الدر: "ويدلك".
[43336]:في "ب" والسمين "ويجاب" بلفظ الفعلية.
[43337]:قال ابن الأنباري في البيان "الجرار والمجرور في موضع رفع لأنه صفة "لأسوة" وتقديره: أسوة حسنة كائنة لمن كان يرجو الله ولا يجوز أن يتعلق بنفس "أسوة" إذا جعل بمعنى التأسي لأن "أسوة" وصفت وإذا وصف المصدر لم يعمل فكذلك ما كان في معناه". وانظر: البيان 2/267.
[43338]:في "ب" قاله وهو خطأ وانظر التبيان 1055.
[43339]:المرجع السابق وانظر: الدر 4/376 و 377.
[43340]:المراجع السابقة.
[43341]:ذكرهما القرطبي في تفسيره 14/156 وانظر كذلك زاد المسير 6/368.
[43342]:ذكرهما القرطبي في تفسيره 14/156 وانظر كذلك زاد المسير 6/368.