( قوله ) تعالى : { لََقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ الله أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ } قرأ عاصم : «أُسْوَةٌ » بضم الهمزة حيث وَقَعَتْ هذه اللفظة والباقون بكسرها{[43319]} . وهما لغتان كالغُدْوَةِ والغِدْوَةِ{[43320]} والقُدْوَةِ والقِدْوةِ والأُسْوة بمعنى الاقتداء أي قدوة صالحة ، وهي اسمٌ وُضِعَ مَوْضِعَ المَصْدَرِ وهو «الايتساء » فالأسوة من الايتساء كالقُدْوَة من الاقْتِدَاء ، وائْتَسَى فُلانٌ بِفُلاَنٍ أي اقْتَدَى به{[43321]} ، وأسوة اسم «كان » وفي الخبر وجهان :
أحدهما : هو «لكم »{[43322]} فيجوز في الجار الآخر{[43323]} وجوه : التعلق بما يتعلق به الخبر{[43324]} ، أي بمحذوف على أنه حال من «أُسْوَةٍ »{[43325]} ؛ إذ لو تأخر لكان صفةً أو «بكان » على مذهب من يَرَاهُ{[43326]} .
الثاني : أن الخبر هو : «فِي رَسُولِ اللَّهِ » و «لَكُمْ » على ما تقدم في «رسول الله » أو يتعلق بمحذوف على التبيين أَعْنِي لَكُمْ{[43327]} .
قوله : { لِمَن كَانَ يَرْجُو } فيه أوجه :
أحدها : أنه بدل من الكاف في «لَكُمْ » قاله الزمخشري{[43328]} ، ومنعه أبو البقاء ، وتابعه أبو حيان ، قال أبو البقاء : وقيل : هو بدل من ضمير المُخَاطَبِ بإعادة الجارِّ ، ومنع منه الأكثرون ؛ لأن ضمير المخاطب لا يبدل منه{[43329]} . وقال أبو حيان{[43330]} : قال الزمخشري بدل من «لكم » كقوله : { استضعفوا لِمَنْ آمَنَ منهم } [ الأعراف : 75 ] . قال : ولا يجوز على{[43331]} مذهب جمهور البصريين أن يبدل من ضمير المتكلم ولا من ضمير المخاطب بدل شيء من شيء وهما لعين واحدة وأجاز ذلك الكوفيون والأخفش وأنشد :
4077 - بِكُمْ قُرَيْشٍ كُفِينَا كُلَّ مُعْضِلَةٍ *** وأَمَّ نَهْجَ الهُدَى مَنْ كَانَ ضِلّيلاً{[43332]}
قال شهاب الدين : لا نسلم أن هذا بدل{[43333]} شيء من شيء وهما لعين واحدة ، بل بدل بعض من كل باعتبار الواقع لأن الخطاب في قوله : «لكُم » أعمّ مِن : «مَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وغَيْره » ثم خصص ذلك العموم لأن المتأَسِّيَ به عليه ( الصلاة{[43334]} و ) السلام في الواقع إنما هم المؤمنون ويدل عليه{[43335]} ما قلته ظاهر تشبيه الزمخشري هذه الآية بآية الأعراف ، وآية الأعراف البدل فيها بدل كل من كل ومجابٌ{[43336]} بأنه إنما قصد التشبيه في مجرد إعادة العامل .
والثاني : أن يتعلق بمحذوف على أنه صفة «لحَسَنَةٍ »{[43337]} .
والثالث : أن يتعلق بنفس «حسنة » قالهما{[43338]} أبو البقاء ، ومنع أن يتعلق بأسوة قال : لأنها قد{[43339]} وصفت و «كَثِيراً » أي ذِكْراً كَثِيراً{[43340]} .
لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة أي قدوة صالحة أن تنصروا دين الله وتؤازروا الرسول ولا تتخلفوا عنه وتصبروا على ما يصيبكم كما فعل هو إذا كسرت رُبَاعِيَّتُهُ ، وجرح وَجْهُهُ وقتل عمه ، وأوذي بَضُروبٍ من الأذى فواساكم مع ذلك بنفسه فافعلوا أنتم كذلك أيضاً ، واستنوا بسنته { لِمَن كَانَ يَرْجُو الله واليوم الآخر } قال ابن عباس لمن كان{[43341]} يرجو ثواب الله . وقال مقاتل : يخشى الله واليوم الآخر{[43342]} أي يخشى يوم البعث الذي فيه جزاء الأعمال وذكر الله كثيراً في جميع المواطن على السراء والضراء ،
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.