{ لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجوا الله واليوم الأخر وذكر الله كثيرا 21 ولما رأى المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله وما زادهم إلا إيمانا وتسليما22 من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا23 }
لكأنه قسم من ربنا تبارك وتعالى وتحقيق أن خاتم النبيين يتؤسى به في فعله ، ويقتدى به في خلقه وقوله ، فهو نعم الهادي لكم يا من آمنتم وجاهدتم ، وأكرم قدوة لمن يؤمل في رضوان الله ، والفوز يوم يلقاه ، ولمن ذكر الله تعالى ذكرا كثيرا ، فإن كثرة الذكر تعقب ملازمة الطاعة ، وبها يتحقق الاتساء بالبشير النذير –صلى الله تعالى عليه وسلم- وحين رأى المؤمنون أحزاب الشرك والكفر والنفاق الذين تواصوا بإهلاك النبي ومن معه – عندما رأوهم بخيلهم وخيلائهم لم يتنكروا لدينهم ، ولا وهنوا في ملاقاة عدوهم ، وما قنطوا من رحمة ونصر ربهم ، وإنما أقروا أنها سنة الله في الذين خلوا من قبلهم ) . . مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب( {[3613]} وقالوا : هذا الخطب والبلاء الذي نزل هو وعد الله الذي لا يخلف )ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلو أخباركم( {[3614]} وكلمات ربنا حق وصدق ، ورسوله لا ينطق عن الهوى ، وما زادكم البلاء إلا رسوخا وثباتا على الرشد ، وتسليما لربنا المستحق للحمد ، [ واستدل بالآية على جواز زيادة الإيمان ونقصه ، ومن أنكر قال : إن الزيادة فيما يؤمن به ، لا في نفس الإيمان . . . ] {[3615]} من هؤلاء المؤمنين المقتدين بخاتم النبيين ، رجال على الحقيقة أوفياء بما عاهدوا الله عليه من الإيمان والطاعة والجهاد والصبر ، فمن هؤلاء من وفى بما التزم كما يوفي من نذر نذره ، ومنهم من هو على عهده مع الله يترقب ساعة يدعى فيلبي ، وما غيروا عهدهم الذي عاهدوا مولاهم عليه أي تغيير ، لا من حيث الأصل ولا من حيث الصفة .
وأي صدق ووفاء فوق ثبات الصحب الكرام- وقد كانوا يومئذ يقاربون ثلاثة آلاف – في وجه حصار خمسة عشر ألف مقاتل{[3616]} ، قريش يقودهم أبو سفيان ، وبنو أسد يقودهم طليحة ، وغطفان يقودهم عيينة ، وبنو عامر يقودهم عامر بن الطفيل ، وبنو سليم يقودهم أبو الأعور السلمي ، وبنو النضير رؤساؤهم : حيي بن أخطب وأبناء أبي الحقيق ، وبنو قريظة سيدهم كعب بن أسد ، وكان بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد فنبذه بسعي حيي ، ودام الحصار قرابة شهر ، وليس يفصلهم عن المسلمين إلا الخندق الذي حفروه بأمر النبي صلى الله عليه وسلم حين أشار بحفره سليمان رضي الله عنه أعطى كل أربعين ذراعا لعشرة ، وأمر النبي بالذراري والنساء فدفعوا في آطام الجبال وكان ذلك في شهر شوال من السنة الخامسة للهجرة النبوية الكريمة .
مما نقل القرطبي عن أبي عيسى الترمذي ، وعن أنس بن مالك عن أبي طلحة قال : شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الجوع ورفعنا عن بطوننا عن حجر حجر ، فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم عن حجرين . اه
[ ولما اشتد الأمر على المسلمين وطال المقام في الخندق ، قام عليه السلام على التل الذي عليه مسجد الفتح في بعض الليالي ، وتوقع ما وعده الله من النصر وقال : " من يذهب ليأتينا بخبرهم وله الجنة " ؟ فلم يجبه أحد ، وقال ثانيا وثالثا فلم يجبه أحد ، فنظر إلى جانبه وقال : " من هذا " ؟ فقال : حذيفة فقال : " ألم تسمع كلامي منذ الليلة " ؟ قال حذيفة : فقلت يا رسول الله منعني أن أجيبك الضر والقر . قال : " انطلق حتى تدخل في القوم فتسمع كلامهم وتأتيني بخبرهم اللهم احفظه من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله حتى ترده إلي انطلق ولا تحدث شيئا حتى تأتيني " {[3617]} فانطلق حذيفة بسلاحه ، ورفع رسول الله صلى الل عليه وسلم يده يقول : " يا صريخ المنكوبين ويا مجيب المضطرين اكشف همي وغمي وكربي فقد ترى حالي وحال أصحابي " : فنزل جبريل وقال : " إن الله قد سمع دعوتك وكفاك هول عدوك " فخر رسول الله صلى الله عليه وسلم على ركبتيه ، وبسط يديه ، وأرخى عينيه وهو يقول : " شكرا شكرا كما رحمتني ورحمت أصحابي " . وأخبره جبريل أن الله تعالى مرسل عليها ريحا ، فبشر أصحابه بذلك . قال حذيفة : فانتهيت إليهم وإذا نيرانهم تتقد ، فأقبلت ريح شديدة فيها حصباء فما تركت لهم نارا إلا أطفأتها ، ولا بناء إلا طرحته ، وجعلوا يتترسون من الحصباء ، وقام أبو سفيان إلى راحلته وصاح في قريش : النجاء النجاء ! وفعل كذلك عيينة بن حصن والحارث بن عوف والأقرع بن حابس ، وتفرقت الأحزاب ، وأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم فعاد إلى المدينة وبه من الشعث ما شاء الله ، فجاءته فاطمة بغسول ، فكانت تغسل رأسه ، فأتاه جبريل فقال : " وضعت السلاح ولم تضعه أهل السماء ما زلت أتبعهم حتى جاوزت بهم الروحاء- ثم قال- انهض إلى بني قريظة " . وقال أبو سفيان : ما زلت أسمع قعقعة السلاح حتى جاوزت الروحاء ]{[3618]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.