قال البخاري : { اسْتَجِيبُوا } أجيبوا ، { لِمَا يُحْيِيكُمْ } لما يصلحكم . حدثنا إسحاق ، حدثنا روح ، حدثنا شعبة ، عن خبيب{[12792]} بن عبد الرحمن قال : سمعت حفص بن عاصم يحدث عن أبي سعيد بن المعلى قال : كنت أصلي ، فمر بي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فدعاني فلم آته حتى صليت ، ثم أتيته فقال : " ما منعك أن تأتيني ؟ " ألم يقل الله : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ } ثم قال : " لأعلمنك أعظم سورة في القرآن قبل أن أخرج " ، فذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم ليخرج ، فذكرت له - وقال معاذ : حدثنا شعبة ، عن خُبَيْب{[12793]} بن عبد الرحمن ، سمع حفص بن عاصم ، سمع أبا سعيد رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بهذا - وقال : " هي { الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } السبع المثاني " {[12794]}
هذا لفظه بحروفه ، وقد تقدم الكلام على هذا الحديث بذكر طرقه في أول تفسير الفاتحة .
وقال مجاهد في قوله : { لِمَا يُحْيِيكُمْ } قال : الحق .
وقال قتادة { لِمَا يُحْيِيكُمْ } قال : هو هذا القرآن ، فيه النجاة والتقاة{[12795]} والحياة .
وقال السُّدِّيّ : { لِمَا يُحْيِيكُمْ } ففي الإسلام إحياؤهم بعد موتهم بالكفر .
وقال محمد بن إسحاق ، عن محمد بن جعفر بن الزبير ، عن عُرْوَةَ بن الزبير : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ } أي : للحرب التي أعزكم الله تعالى بها بعد الذل ، وقواكم بها بعد الضعف ، ومنعكم من عدوكم بعد القهر منهم لكم .
وقوله تعالى : { وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ } قال ابن عباس : يحول بين المؤمن وبين الكفر ، وبين الكافر وبين الإيمان .
رواه الحاكم في مستدركه موقوفا ، وقال : صحيح ولم يخرجاه{[12796]} ورواه ابن مَرْدُوَيه من وجه آخر مرفوعا{[12797]} ولا يصح لضعف إسناده ، والموقوف أصح . وكذا قال مجاهد ، وسعيد ، وعكرمة ، والضحاك ، وأبو صالح ، وعطية ، ومُقَاتِل بن حيَّان ، والسُّدِّيّ .
وفي رواية عن مجاهد في قوله : { يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ } حتى تركه لا يعقل .
وقال السدي : يحول بين الإنسان وقلبه ، فلا يستطيع أن يؤمن ولا يكفر إلا بإذنه .
وقال قتادة هو كقوله : { وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ } [ ق : 16 ] .
وقد وردت الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بما يناسب هذه الآية .
وقال الإمام أحمد : حدثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن أبي سفيان ، عن أنس بن مالك ، رضي الله عنه ، قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول : " يا مُقَلِّب القلوب ، ثبت قلبي على دينك " . قال : فقلنا : يا رسول الله ، آمنا بك وبما جئت به ، فهل تخاف علينا ؟ قال{[12798]} نعم ، إن القلوب بين إصبعين من أصابع الله تعالى يقلبها " .
وهكذا رواه الترمذي في " كتاب القدر " من جامعه ، عن هناد بن السري ، عن أبي معاوية محمد بن حازم الضرير ، عن الأعمش - واسمه سليمان بن مهران - عن أبي سفيان - واسمه طلحة بن نافع - عن أنس{[12799]} ثم قال : حسن . وهكذا روي عن غير واحد عن الأعمش ، رواه بعضهم عنه ، عن أبي سفيان ، عن جابر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وحديث أبي سفيان عن أنس أصح{[12800]}
حديث آخر : قال عبد بن حميد{[12801]} في مسنده : حدثنا عبد الملك بن عمرو ، حدثنا شعبة ، عن الحكم ، عن ابن أبي ليلى ، عن بلال ، رضي الله عنه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو : " يا مُقَلِّب القلوب ثَبِّت قلبي على دينك " .
هذا حديث جيد الإسناد إلا أن فيه انقطاعا وهو - مع ذلك - على شرط أهل السنن ولم يخرجوه{[12802]}
حديث آخر : وقال الإمام أحمد : حدثنا الوليد بن مسلم قال : سمعت ابن جابر يقول : حدثني بسر بن عبد الله{[12803]} الحضرمي : أنه سمع أبا إدريس الخولاني يقول : سمعت النواس بن سَمْعَان الكلابي ، رضي الله عنه ، يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " ما من قلب إلا وهو بين إصبعين من أصابع الرحمن رب العالمين ، إذا شاء أن يقيمه أقامه ، وإذا شاء أن يزيغه أزاغه " . وكان يقول : " يا مقلب القلوب ، ثبت قلوبنا{[12804]} على دينك " . قال : " والميزان بيد الرحمن يخفضه ويرفعه " .
وهكذا رواه النسائي وابن ماجه ، من حديث عبد الرحمن بن يزيد{[12805]} بن جابر{[12806]} فذكر مثله .
حديث آخر : قال الإمام أحمد : حدثنا يونس ، حدثنا حماد بن زيد ، عن المعلى بن زياد ، عن الحسن ؛ أن عائشة قالت : دعوات كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو بها : " يا مقلب القلوب ، ثبت قلبي على دينك " . قالت : فقلت : يا رسول الله ، إنك تكثر{[12807]} تدعو بهذا الدعاء . فقال : " إن قلب الآدمي بين إصبعين{[12808]} من أصابع الله ، فإذا شاء أزاغه{[12809]} وإذا شاء أقامه{[12810]} {[12811]}
حديث آخر : قال الإمام أحمد : حدثنا هاشم ، حدثنا عبد الحميد ، حدثني شهر ، سمعت أم سلمة تحدث : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يكثر في دعائه يقول : " اللهم يا مقلب القلوب ، ثبت قلبي على دينك " . قالت : فقلت{[12812]} يا رسول الله ، أو إن القلوب لتقلب{[12813]} ؟ قال : " نعم ، ما{[12814]} خلق الله من بشر من بني آدم إلا أن قلبه بين إصبعين من أصابع الله ، عز وجل ، فإن شاء أقامه ، وإن شاء أزاغه . فنسأل الله ربنا أن لا يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا ، ونسأله أن يهب لنا من لدنه رحمة إنه هو الوهاب " . قالت : قلت : يا رسول الله ، ألا تعلمني دعوة أدعو بها لنفسي ؟ قال : " بلى ، قولي : اللهم رب النبي محمد ، اغفر لي ذنبي ، وأذهب غيظ قلبي ، وأجرني من مضلات الفتن ما أحييتني " {[12815]}
حديث آخر : قال الإمام أحمد : حدثنا أبو عبد الرحمن ، حدثنا حيوة ، أخبرني أبو هانئ ، أنه سمع أبا عبد الرحمن الحُبَلي{[12816]} أنه سمع عبد الله بن عمرو ؛ أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن قلوب بني آدم بين إصبعين من أصابع الرحمن ، كقلب واحد يُصَرِّف{[12817]} كيف شاء{[12818]} . ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اللهم مُصَرِّف القلوب ، صَرِّف قلوبنا إلى طاعتك " .
انفرد بإخراجه مسلم عن البخاري ، فرواه مع النسائي من حديث حَيْوَة بن شُرَيْح المصري ، به . {[12819]}
القول في تأويل قوله تعالى : { يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ للّهِ وَلِلرّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ } . .
اختلف أهل التأويل في تأويل قوله : إذَا دَعاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ فقال بعضهم : معناه : استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم للإيمان . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط عن السديّ : يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلّهِ وللرّسُولِ إذَا دَعاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ قال : أما يحييكم فهو الإسلام ، أحياهم بعد موتهم ، بعد كفرهم .
وقال آخرون : للحقّ . ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله : لِمَا يُحْيِيكُمْ قال : الحقّ .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الله ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : إذَا دَعاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ قال : الحقّ .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا حكام ، قال : حدثنا عنبسة ، عن محمد بن عبد الرحمن ، عن القاسم بن أبي بزّة ، عن مجاهد ، في قوله : اسْتَجِيبُوا لِلّهِ وللرّسُولِ إذَا دَعاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ قال : للحقّ .
وقال آخرون : معناه : إذا دعاكم إلى ما في القرآن . ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلّهِ وللرّسُولِ إذَا دَعاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ قال : هو هذا القرآن فيه الحياة والعفة والعصمة في الدنيا والاَخرة .
وقال آخرون : معناه : إذا دعاكم إلى الحرب وجهاد العدوّ . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلّهِ وللرّسُولِ إذَا دَعاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ : أي للحرب الذي أعزّكم الله بها بعد الذلّ ، وقوّاكم بعد الضعف ، ومنعكم بها من عدوّكم بعد القهر منهم لكم .
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب ، قول من قال : معناه : استجيبوا لله وللرسول بالطاعة إذا دعاكم الرسول لِما يحييكم من الحقّ . وذلك أن ذلك إذا كان معناه كان داخلاً فيه الأمر بإجابتهم لقتال العدوّ والجهاد ، والإجابة إذا دعاكم إلى حكم القرآن ، وفي الإجابة إلى كلّ ذلك حياة المجيب . أما في الدنيا ، فيقال : الذكر الجميل ، وذلك له فيه حياة . وأما في الاَخرة ، فحياة الأبد في الجنان والخلود فيها .
وأما قول من قال : معناه الإسلام ، فقول لا معنى له لأن الله قد وصفهم بالإيمان بقوله : يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلّهِ وللرّسُولِ إذَا دَعاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ فلا وجه لأن يقال للمؤمن استجب لله وللرسول إذا دعاك إلى الإسلام والإيمان .
حدثنا أحمد بن المقدام العجلي ، قال : حدثنا يزيد بن زريع ، قال : حدثنا روح بن القاسم ، عن العلاء بن عبد الرحمن ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، قال : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبيّ وهو يصلي ، فدعاه : «أي أبيّ » فالتفت إليه أبيّ ، ولم يجبه . ثم إن أبيّا خفف الصلاة ، ثم انصرف إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال : السلام عليك أي رسول الله قال : «وَعَلَيْكَ ما مَنَعَكَ إذْ دَعَوْتُكَ أنْ تُجِيبَنِي ؟ » قال : يا رسول الله كنت أصلي . قال : «أفَلَمْ تَجِدْ فِيما أُوحِيَ إليّ اسْتَجُيبُوا لِلّهِ وللرّسُولِ إذَا دَعاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ؟ » قال : بلى يا رسول الله ، لا أعود .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا خالد بن مخلد ، عن محمد بن جعفر ، عن العلاء ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، قال : مرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبيّ وهو قائم يصلي ، فصرخ به ، فلم يجبه ، ثم جاء فقال : «يا أبيّ ما منعك أن تجيبني إذ دعوتك ، أليس الله يقول يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلّهِ وللرّسُولِ إذَا دَعاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ؟ » قال أبيّ : لا جرم يا رسول الله ، لا تدعوني إلاّ أجبت ، وإن كنت أصلي .
ما يبين عن أن المعنيّ بالاَية هم الذين يدعوهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ما فيه حياتهم بإجابتهم إليه من الحقّ بعد إسلامهم ، لأن أبيّا لا شكّ أنه كان مسلما في الوقت الذي قال له النبيّ صلى الله عليه وسلم ما ذكرنا في هذين الخبرين .
القول في تأويل قوله تعالى : وَاعْلَمُوا أنّ اللّهَ يَحُولُ بينَ المَرْءِ وَقَلْبِهِ وأنّهُ إلَيْه تُحْشَرُونَ .
اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك ، فقال بعضهم : معناه : يحول بين الكافر والإيمان وبين المؤمن والكفر . ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن الأعمش عن عبد الله بن عبد الله الرازي ، عن سعيد بن جبير : يَحُولُ بينَ المَرْءِ وَقَلْبِهِ قال : بين الكافر أن يؤمن ، وبين المؤمن أن يكفر .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا وكيع ، وحدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قالا : حدثنا سفيان ، وحدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : حدثنا الثوري ، عن الأعمش ، عن عبد الله بن عبد الله الرازي ، عن سعيد بن جبير ، بنحوه .
حدثني أبو زائدة زكريا بن أبي زائدة ، قال : حدثنا أبو عاصم ، عن سفيان ، عن الأعمش ، عن عبد الله بن عبد الله ، عن سعيد بن جبير ، مثله .
حدثني أبو السائب وابن وكيع ، قالا : حدثنا أبو معاوية ، عن المنهال ، عن سعيد بن جبير : يَحُولُ بينَ المَرْءِ وَقَلْبِهِ قال : يحول بين المؤمن وبين الكفر ، وبين الكافر وبين الإيمان .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا محمد بن فضيل ، عن الأعمش ، عن عبد الله بن عبد الله الرازي ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : يَحُولُ بينَ المَرْءِ وَقَلْبِهِ يحول بين الكافر والإيمان وطاعة الله .
قال : حدثنا حفص ، عن الأعمش ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : يَحُولُ بينَ المَرْءِ وَقَلْبِهِ قال : يحول بين المؤمن والكفر ، وبين الكافر والإيمان .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا يحيى بن واضح ، قال : حدثنا عبيد بن سليمان ، وعبد العزيز بن أبي روّاد ، عن الضحاك ، في قوله : يَحُولُ بينَ المَرْءِ وَقَلْبِهِ قال : يحول بين الكافر وطاعته ، وبين المؤمن ومعصيته .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبو أسامة ، عن أبي روق ، عن الضحاك بن مزاحم ، بنحوه .
قال : حدثنا المحاربي ، عن جويبر ، عن الضحاك ، قال : يحول بين المرء وبين أن يكفر ، وبين الكافر وبين أن يؤمن .
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : حدثنا عبد العزيز بن أبي روّاد ، عن الضحاك بن مزاحم يَحُولُ بينَ المَرْءِ وَقَلْبِهِ قال : يحول بين الكافر وبين طاعة الله ، وبين المؤمن ومعصية الله .
حدثنا أحمد بن إسحاق ، قال : حدثنا أبو أحمد الزبيري ، قال : حدثنا بن أبي روّاد ، عن الضحاك ، نحوه .
وحُدثت عن الحسين بن الفرج ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : حدثنا عبيد بن سليمان ، قال : سمعت الضحاك بن مزاحم ، يقول : فذكر نحوه .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا الحجاج بن منهال ، قال : حدثنا المعتمر بن سليمان ، قال : سمعت عبد العزيز بن أبي روّاد يحدّث عن الضحاك بن مزاحم ، في قوله : يَحُولُ بينَ المَرْءِ وَقَلْبِهِ قال : يحول بين المؤمن ومعصيته .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس : وَاعْلَمُوا أنّ اللّهَ يَحُولُ بينَ المَرْءِ وَقَلْبِهِ يقول : يحول بين المؤمن وبين الكفر ، ويحول بين الكافر وبين الإيمان .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : وَاعْلَمُوا أنّ اللّهَ يَحُولُ بينَ المَرْءِ وَقَلْبِهِ يقول : يحول بين الكافر وبين طاعته ، ويحول بين المؤمن وبين معصيته .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا المحاربي ، عن ليث ، عن مجاهد : يَحُولُ بينَ المَرْءِ وَقَلْبِهِ قال : يحول بين المؤمن وبين الكفر ، وبين الكافر وبين الإيمان .
قال : حدثنا أبي ، عن ابن أبي روّاد ، عن الضحاك : يَحُولُ بينَ المَرْءِ وَقَلْبِهِ يقول : يحول بين الكافر وبين طاعته ، وبين المؤمن وبين معصيته .
قال : حدثنا إسحاق بن إسماعيل ، عن يعقوب القمي ، عن جعفر ، عن سعيد بن جبير : يَحُولُ بينَ المَرْءِ وَقَلْبِهِ يحول بين المؤمن والمعاصي ، وبين الكافر والإيمان .
قال : حدثنا عبيدة ، عن إسماعيل ، عن أبي صالح : يَحُولُ بينَ المَرْءِ وَقَلْبِهِ قال : يحول بينه وبين المعاصي .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : يحول بين المرء وعقله ، فلا يدري ما يعمل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا عبيد الله بن محمد الفريابي ، قال : حدثنا عبد المجيد ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، قوله : يَحُولُ بينَ المَرْءِ وَقَلْبِهِ قال : يحول بين المرء وعقله .
حدثنا محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : يَحُولُ بينَ المَرْءِ وَقَلْبِهِ حتى يتركه لا يعقل .
حدثنا المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الله ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : يَحُولُ بينَ المَرْءِ وَقَلْبِهِ قال : هي يحول بين المرء وقلبه حتى يتركه لا يعقل .
حدثنا أحمد بن إسحاق ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا معقل بن عبيد الله ، عن حميد ، عن مجاهد : يَحُولُ بينَ المَرْءِ وَقَلْبِهِ قال : إذا حال بينك وبين قلبك كيف تعمل .
قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا شريك ، عن خصيف ، عن مجاهد : يَحُولُ بينَ المَرْءِ وَقَلْبِهِ قال : يحول بين قلب الكافر ، وأن يعمل خيرا .
وقال آخرون : معناه يحول بين المرء وقلبه أن يقدر على إيمان أو كفر إلاّ بإذنه . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن مفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : وَاعْلَمُوا أنّ اللّهَ يَحُولُ بينَ المَرْءِ وَقَلْبِهِ قال : يحول بين الإنسان وقلبه ، فلا يستطيع أن يؤمن ولا يكفر إلاّ بإذنه .
وقال آخرون : معنى ذلك أنه قريب من قلبه لا يخفى عليه شيء أظهره أو أسرّه . ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، قال : حدثنا معمر ، عن قتادة ، في قوله : يَحُولُ بينَ المَرْءِ وَقَلْبِهِ قال : هي كقوله أقْرَبُ إلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الوَرِيدِ .
وأولى الأقوال بالصواب عندي في ذلك أن يقال : إن ذلك خبر من الله عزّ وجلّ أنه أملك لقلوب عباده منهم ، وإنه يحول بينهم وبينها إذا شاء ، حتى لا يقدر ذو قلب أن يدرك به شيئا من إيمان أو كفر ، أو أن يعي به شيئا ، أو أن يفهم إلاّ بإذنه ومشيئته . وذلك أن الحول بين الشيء والشيء إنما هو الحجز بينهما ، وإذا حجز جلّ ثناؤه بين عبد وقلبه في شيء أن يدركه أو يفهمه ، لم يكن للعبد إلى إدراك ما قد منع الله قلبه إدراكه سبيل ، وإذا كان ذلك معناه ، دخل في ذلك قول من قال : يحول بين المؤمن والكفر وبين الكافر والإيمان ، وقول من قال : يحول بينه وبين عقله ، وقول من قال : يحول بينه وبين قلبه حتى لا يستطيع أن يؤمن ولا يكفر إلاّ بإذنه لأن الله عزّ وجلّ إذا حال بين عبد وقلبه ، لم يفهم العبد بقلبه الذي قد حيل بينه وبينه ما منع إدراكه به على ما بينت . غير أنه ينبغي أن يقال : إن الله عمّ بقوله : وَاعْلَمُوا أنّ اللّهَ يَحُولُ بينَ المَرْءِ وَقَلْبِهِ الخبر عن أنه يحول بين العبد وقلبه ، ولم يخصص من المعاني التي ذكرنا شيئا دون شيء ، والكلام محتمل كلّ هذه المعاني ، فالخبر على العموم حتى يخصه ما يحب التسليم له .
وأما قوله : وأنّهُ إلَيْهِ تُحْشَرُونَ فإن معناه : واعلموا أيها المؤمنون أيضا مع العلم بأن الله يحول بين المرء وقلبه ، أن الله الذي يقدر على قلوبكم ، وهو أملك بها منكم ، إليه مصيركم ومرجعكم في القيامة ، فيوفيكم جزاء أعمالكم ، المحسن منكم بإحسانه والمسيء بإساءته ، فاتقوه وراقبوه فيما أمركم ونهاكم هو ورسوله أن تضيعوه ، وأن لا تستجيبوا لرسوله إذا دعاكم لما يحييكم ، فيوجب ذلك سخطه ، وتستحقوا به أليم عذابه حين تحشرون إليه .
{ يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول } بالطاعة . { إذا دعاكم } وحد الضمير فيه لما سبق ولان دعوة الله تسمع من الرسول . وروي أنه عليه الصلاة والسلام مر على أبي وهو يصلي فدعاه فعجل في صلاته ثم جاء فقال : ما منعك عن إجابتي قال : كنت أصلي ، قال : " ألم تخبر فيما أوحي إلي " { استجيبوا لله وللرسول } . واختلف فيه فقيل هذا لأن إجابته لا تقطع الصلاة فإن الصلاة أيضا إجابة . وقيل لأن دعاءه كان لأمر لا يحتمل التأخير وللمصلي أن يقطع الصلاة لمثله وظاهر الحديث يناسب الأول . { لما يحييكم } من العلوم الدينية فإنها حياة القلب والجهل موته . قال :
لا تعجبن الجهول حلّته *** فذاك ميتٌ وثوبه كفن
أو مما يورثكم الحياة الأبدية في النعيم الدائم من العقائد والأعمال ، أو من الجهاد فإنه سبب بقائكم إذ لو تركوه لغلبهم العدو وقتلهم ، أو الشهادة لقوله تعالى : { بل أحياء عند ربهم يرزقون } . { واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه } تمثيل لغاية قربه من العبد كقوله تعالى : { ونحن اقرب إليه من حبل الوريد } وتنبيه على أنه مطلع على مكنونات القلوب مما عسى يغفل عنه صاحبها ، أو حث على المبادرة إلى إخلاص القلوب وتصفيتها قبل أن يحول الله بينه وبين قلبه بالموت أو غيره ، أو تصوير وتخييل لتملكه على العبد قلبه فيفسخ عزائمه ويغير مقاصده ويحول بينه وبين الكفر إن أراد سعادته ، وبينه وبين الإيمان إن قضى شقاوته . وقرئ " بين المرِّ " بالتشديد على حذف الهمزة وإلقاء حركتها على الراء وإجراء الوصل الوقف على لغة من يشدد فيه . { وأنه إليه تحشرون } فيجازيكم بأعمالكم .