غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱسۡتَجِيبُواْ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمۡ لِمَا يُحۡيِيكُمۡۖ وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ يَحُولُ بَيۡنَ ٱلۡمَرۡءِ وَقَلۡبِهِۦ وَأَنَّهُۥٓ إِلَيۡهِ تُحۡشَرُونَ} (24)

20

ثم علم المؤمنين أدباً آخر فقال { استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم } فوحد الضمير كما مر . والمراد بالاستجابة الطاعة والامتثال ، وبالدعوة البعث والتحريض . عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم مرّ على باب أبيّ بن كعب فناداه وهو في الصلاة فعجل في صلاته ثم جاء فقال : ما منعك عن إجابتي ؟ قال : كنت أصلي . قال : ألم تخبر فيما أوحي إليّ { استجيبوا لله وللرسول } ؟ قال : لا جرم لا تدعوني إلا أجبتك ، وقد يتمسك الفقهاء بهذا الخبر على أن ظاهر الأمر للوجوب وإلا فلم يتوجه اللوم . ثم قيل : إن هذا مما اختص به رسول الله صلى الله عليه وسلم وقيل : إن دعاءه كان لأمر لم يحتمل التأخير وإذا وقع مثله للمصلي فله أن يقطع صلاته . ثم الإحياء لا يمكن أن يحمل على نفس الحياة لأن إحياء الحي محال فذكروا فيه وجوهاً : قال السدي : هو الإسلام والإيمان لأن الإيمان حياة القلب والكفر موته بدليل قوله { يخرج الحي من الميت } [ الأنعام : 95 ] أي المؤمن من الكافر . وقال قتادة : يعني القرآن لأن فيه العلم الذي به الحياة الحقيقية . والأكثرون على أنه الجهاد لأن وهن أحد العدوّين سبب حياة الآخر ، ولأن الجهاد سبب حصول الشهادة التي توجب الحياة الدائمة لقوله { بل أحياء عند ربهم } [ آل عمران : 169 ] ، وقيل : إنه عام في كل حق وصواب فيدخل فيه القرآن والإيمان والجهاد وكل أعمال البر والطاعة . والمراد لما يحييكم الحياة الطيبة كما قال { فلنحيينه حياة طيبة } [ آل عمران : 169 ] ، { واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه } اختلف الناس فيه بحسب اختلافهم في مسألة الجبر والقدر فنقل الواحدي عن ابن عباس والضحاك : يحول بين الكافر وطاعته ويحول بين المطيع ومعصيته . فالسعيد من أسعده الله والشقي من أضله الله ، والقلوب بيد الله يقلبها كيف يشاء ويخلق فيها القصود والدواعي والعقائد حسبما يريد ، وتقرير ذلك من حيث العقل وجوب انتهاء جميع الأسباب إليه ، ثم ختم الآية بقوله { وإنه إليه يحشرون } ليعلم أنهم مع كونهم مجبورين خلقوا مثابين ومعاقبين إما للجنة وإما للنار لا يتركون مهملين معطلين . وقالت المعتزلة : إن من حال الله بينه وبين الإيمان فهو عاجز وأمر العاجز سفه ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها ، وإنه تعالى أمر بالاستجابة لله وللرسول فلو لم تكن الإجابة ممكنة فكيف يأمر بها ، ولو كان الأمر بغير المقدور جائزاً لكان القرآن حجة للكفار على الرسول لا له عليهم . فإذا لا يمكن حمل الآية على ما قاله أهل الجبر . فتأويلها أن الله يحول بين المرء وبين الانتفاع بقلبه بسبب الموت يدل عليه قوله { وإنه } أي وأن الشأن أو الله إليه تحشرون والمقصود الحث على الطاعة قبل نزول سلطان الموت ، أو أنه تعالى يحول بين المرء وبين ما يتمناه بقلبه تسمية للشيء باسم محله فكأنه قيل : بادروا إلى الأعمال الصالحة ولا تعتمدوا على طول البقاء فإن الأجل يحول دون الأمل أو المراد سارعوا إلى الطاعة ولا تمتنعوا عنها بسبب ما تجدون في قلوبكم من الضعف والجبن فإن الله مقلب القلوب من حالة العجز والجبن إلى القوة والشجاعة وقد يبدل بالأمن خوفاً وبالخوف أمناً ، وبالذكر نسياناً وبالنسيان ذكراً ، وما أشبه ذلك مما هو جائز على الله تعالى ، فأما ما يثاب عليه العبد ويعاقب من أفعال القلوب فلا . وقال مجاهد : المراد بالقلب العقل والمعنى بادروا إلى الأعمال وأنتم تعقلون . ولا تأمنوا زوال العقول التي عند ارتفاعها يبطل التكليف فلا يقدر على الكفر والإيمان . وعن الحسن : إن الغرض التنبيه على أنه تعالى مطلع على بواطن العبد وضمائره ، وإن قربه من عبده أشد من قرب قلبه منه كقوله { ونحن أقرب إليه من حبل الوريد } [ ق : 16 ] .

/خ30