الأمر هنا بالاستجابة مؤكد لما سبق من الأمر بالطاعة ، ووحد الضمير هنا حيث قال : { إِذَا دَعَاكُمْ } كما وحده في قوله : { وَلاَ تَتَوَلَّوْاْ عَنْهُ } وقد قدّمنا الكلام في وجه ذلك ، والاستجابة : الطاعة . قال أبو عبيدة : معنى استجيبوا : أجيبوا . وإن كان استجاب يتعدّى باللام ، وأجاب بنفسه كما في قوله : { يا قومنا أَجِيبُواْ دَاعِيَ الله } ، وقد يتعدّى استجاب بنفسه كما في قول الشاعر :
وداع دعا يا من يجيب إلى الندى *** يستجبه عند ذاك مجيب
{ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ } اللام متعلقة بقوله : { استجيبوا } أي : استجيبوا لما يحييكم إذا دعاكم ، ولا مانع من أن تكون متعلقة بدعا :أي إذا دعاكم إلى ما فيه حياتكم من علوم الشريعة ، فإن العلم حياة ، كما أن الجهل موت . فالحياة هنا مستعارة للعلم . قال الجمهور من المفسرين : المعنى استجيبوا للطاعة وما تضمنه القرآن من أوامر ونواهي ففيه الحياة الأبدية ، والنعمة السرمدية . وقيل المراد بقوله : { لِمَا يُحْيِيكُمْ } الجهاد ، فإنه سبب الحياة في الظاهر ، لأن العدوّ إذا لم يغز غزا . ويستدلّ بهذا الأمر بالاستجابة على أنه يجب على كل مسلم إذا بلغه قول الله أو قول رسوله في حكم من الأحكام الشرعية أن يبادر إلى العمل به كائناً ما كان ، ويدع ما خالفه من الرأي وأقوال الرجال . وفي هذه الآية الشريفة أعظم باعث على العمل بنصوص الأدلة ، وترك التقيد بالمذاهب ، وعدم الاعتداد بما يخالف ما في الكتاب والسنة كائناً ما كان . قوله : { واعلموا أَنَّ الله يَحُولُ بَيْنَ المرء وَقَلْبِهِ } قيل معناه : بادروا إلى الاستجابة قبل أن لا تتمكنوا منها بزوال القلوب التي تعقلون بها بالموت الذي كتبه الله عليكم . وقيل معناه : إنه خاف المسلمون يوم بدر كثرة العدوّ ، فأعلمهم الله أنه يحول بين المرء وقلبه بأن يبدلهم بعد الخوف أمناً ، ويبدل عدوّهم من الأمن خوفاً . وقيل هو : من باب التمثيل لقربه سبحانه من العبد كقوله : { وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الوريد } ومعناه : أنه مطلع على ضمائر القلوب ، لا تخفى عليه منها خافية .
واختار ابن جرير أن هذا من باب الإخبار من الله عزّ وجلّ بأنه أملك لقلوب عباده منهم ، وأنه يحول بينهم وبينها إذا شاء ، حتى لا يدرك الإنسان شيئاً إلا بمشيئته عزّ وجلّ . ولا يخفاك أنه لا مانع من حمل الآية على جميع هذه المعاني . { وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ } معطوف على { إنَّ الله يَحُولُ بَيْنَ المرء وَقَلْبِهِ } وأنكم محشورون إليه ، وهو مجازيكم بالخير خيراً ، وبالشرّ شرّاً . قال الفراء : ولو استأنفت فكسرت همزة «إنَّه » لكان صواباً . ولعل مراده أن مثل هذا جائز في العربية .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.