وقوله سبحانه : { يا أيها الذين آمَنُوا استجيبوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ } [ الأنفال : 24 ]
{ استجيبوا } بمعنى : أجيبوا وقوله : { لِمَا يُحْيِيكُمْ } قال مجاهد والجمهور : المعنى للطاعة ، وما يتضمنه القرآن ، وهذا إحياء مستعار ؛ لأنه من مَوْتِ الكفر والجهل ، والطَّاعَةُ تؤدي إلى الحَيَاةِ الدائمة في الآخرة .
وقوله سبحانه : { واعلموا أَنَّ الله يَحُولُ بَيْنَ المرء وَقَلْبِهِ } يحتمل وجوهاً ،
منها : أنه لما أمرهم سبحانه بالاستجابة في الطاعة ، حضَّهم على المبادرة والاستعجال ، وأعلمهم أنَّه يحولُ بين المرء وقَلْبه بالموت والقَبْض ، أي : فبادروا الطاعات ، ويلتئم مع هذا التأويلِ قوله : { وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ } أي : فبادروا الطاعات ، وتزوَّدوها ليوم الحَشْر ، ومنها : أن يقصد إِعلامهم أن قُدْرة اللَّه وعلْمه وإِحاطته حائلةٌ بين المرء وقلبه ، فكأن هذا المعنَى يحضُّ على المراقبة والخَوْفِ للَّه المُطلَّع على الضمائر ؛ حُكِيَ هذا التأويلُ عن قتادة ويحتملُ أن يريد تخويفهم ؛ إِنْ لم يمتثلوا الطَّاعات ، ويستجيبوا للَّه وللرَّسول ؛ أَنْ يَحُلَّ بهم ما حل بالكفَّار الذين أرادهم بقوله : { وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوا وَّهُم مُّعْرِضُونَ } [ الأنفال : 23 ] ؛ لأن حَتْمهُ عليهم بأنهم لو سَمِعُوا لم ينتفعوا يقتضِي أنه كان قد حال بينهم وبَيْنَ قلوبهم ، ومنها : أنْ يكون المعنَى ترجيةً لهم بأنَّ اللَّه يبدِّل الخوف الذي في قلوبهم مِنْ كثرة الَعدُوِّ ، فيجعله جراءةً وقوةً ، وبضدِّ ذلك للكفَّار ، أي : فإِن اللَّه تعالَى هو مقلِّب القلوب ؛ كما كان قسم النبيّ صلى الله عليه وسلم ، وقيل غير هذا ، قال مكِّيٌّ ، وقال الطبريُّ : ( هذا خبر من اللَّه عز وجلَّ ؛ أنه أَمْلَكُ بقلوبِ العباد منهم لها ، وأنه يحولُ بينهم وبينها إِذا شاء حتى لا يُدْرِك الإِنسان شيئاً من إِيمان ولا كُفْر ، ولا يعي شيئاً ، ولا يفهم شيئاً إِلا بإذنه ومشيئته سبحانه ، وقد كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم كثيراً ما يقول في دعائه : ( يَا مُقَلِّبَ القُلُوبِ ، ثَبِّتْ قَلْبِي علَى دِينِكَ ) انتهى من «الهداية » .
وروي مالكُ بن أنس والنسائي ، أن رَسُولَ اللَّهَ صلى الله عليه وسلم دَعَا أُبَيَّ بْنُ كَعْب وهو في الصَّلاَة ، فَلَمْ يُجِبْهُ ، وأَسْرَعَ في بَقِيَّةِ صَلاَتِهِ ، فَلَمَّا فَرَغَ جَاءَ ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : ( أَلَمْ يَقُلِ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { يا أيها الذين آمَنُوا استجيبوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ } ؟ [ الأنفال : 24 ] قال أُبَيٌّ : لاَ جَرَمَ ، يا رَسُولَ اللَّهِ ، لاَ تَدْعُونِي أَبَدَاً إِلاَّ أَجَبْتُكَ ) الحديث بطوله ، واختلاف ألفاظه ، وفي «البخاريِّ ومسلم » ؛ أن ذلك وقع مع أبي سَعِيدِ بن المعلى ، وروي أنه وقع نحوه مع حُذَيْفَة بن اليَمَانِ في غزوة الخَنْدَق .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.