السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱسۡتَجِيبُواْ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمۡ لِمَا يُحۡيِيكُمۡۖ وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ يَحُولُ بَيۡنَ ٱلۡمَرۡءِ وَقَلۡبِهِۦ وَأَنَّهُۥٓ إِلَيۡهِ تُحۡشَرُونَ} (24)

{ يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول } أي : أجيبوهما بالطاعة ، ووحد الضمير في قوله تعالى : { إذا دعاكم } ؛ لأنّ دعوة الله تعالى تسمع من الرسول صلى الله عليه وسلم .

روى الترمذي أنه صلى الله عليه وسلم مرّ على أبيّ بن كعب وهو يصلي فدعاه ، فعجل في صلاته ثم جاء ، فقال له صلى الله عليه وسلم : «ما منعك عن إجابتي ؟ » قال : كنت أصلي ، قال : ( ألم تجد فيما أوحي إليّ { استجيبوا وللرسول } ؟ ويؤخذ من ذلك أنّ إجابته صلى الله عليه وسلم بالقول : لا تقطع الصلاة ، وهو كذلك ، بل ولا بالفعل الكثير كما قاله بعض أصحابنا ، وهو ظاهر الحديث أيضاً .

ولما كان اجتناء ثمرة الطاعة في غاية القرب منه نبه على ذلك باللام دون إلى فقال : { لما يحييكم } من العلوم الدينية فإنها حياة القلوب والجهل موتها ، قال أبو الطيب :

لا تعجبنّ الجهول حليته *** فذاك ميت وثوبه كفن

أو مما يورثكم الحياة الأبدية في النعيم الدائم من العقائد ، وقال السدي : هو الإيمان ؛ لأن الكافر ميت فيحيا بالإيمان ، وقال ابن إسحق : هو الجهاد أعزكم الله تعالى به بعد الذل ، وقال العتبي : هو الشهادة لقوله تعالى : { بل أحياء عند ربهم يرزقون } ( آل عمران ، 169 )

{ واعلموا أنّ الله يحول بين المرء وقلبه } أي : إنه يميته فتفوته الفرصة التي هو واجدها وهي التمكن من إخلاص القلب ومعالجة أدوائه وعلله ورده سليماً كما يردّه الله تعالى ، فاغتنموا هذه الفرصة وأخلصوا قلوبكم لطاعة الله ورسوله .

وقال الضحاك : يحول بين المرء المؤمن والمعصية وبين الكافر والطاعة ، وقال السدي : يحول بين المرء وقلبه ، فلا يستطيع أن يؤمن ولا أن يكفر إلا بإذنه ، وقال مجاهد : يحول بين المرء وقلبه ، فلا يعقل ولا يدري ما يعمل .

وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول : ( يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك ) قالوا : يا رسول الله آمنا بك وبما جئت به فهل تخاف علينا ؟ قال : ( القلوب بين إصبعين من أصابع الله يقلبها كيف يشاء ) { وإنه } أي : واعلموا أنه تعالى : { إليه تحشرون } لا إلى غيره فلا تتركوا مهملين معطلين فيجازيكم بأعمالكم وفي هذا تشديد في العمل وتحذير عن الكسل والغفلة .