قوله : { يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول } ، إلى قوله : { شديد العقاب }[ 25 ، 24 ] .
قال أبو عبيدة معنى { استجيبوا } : أجيبوا ، كما قال : فلم يستجب{[27133]} عند ذاك{[27134]} مجيب{[27135]} ، أي : يجبه .
ومعنى : { لما يحييكم }[ 24 ] .
أي : للإيمان{[27136]} . وقيل : للإسلام{[27137]} . وقيل : للحق{[27138]} . وقيل : للقرآن وما فيه{[27139]} .
وقيل : إلى الحرب وجهاد العدو{[27140]} .
وسماه " حياة " ؛ لأن الكافر مثل الميت{[27141]} .
وقيل معنى : { لما يحييكم } ، أي : لما تصيرون به إذا قبلتموه إلى الحياة الدائمة في الآخرة .
وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم ، دعا أبيا وهو يصلي فلم يجبه أبيّ ، فخفف الصلاة ، ثم انصرف إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : ما منعك إذ دعوتك أن تجيبني ؟ قال : يا رسول الله ، كنت أصلي ، قال له : أفلم تجد فيما أوحي إلي : { استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم } ؟ قال : بلى ، يا رسول الله ، ولا أعود{[27142]} .
فهذا{[27143]} يبين أن المعنى يراد به الذين يدعوهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ما فيه حياة لهم من الخير بعد الإسلام المدعو إيمانه{[27144]} .
وقوله : { واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه }[ 24 ] .
قال ابن جبير : يحول بين الكافر أن يؤمن ، وبين المؤمن أن يكفر{[27145]} .
وكذلك قال ابن عباس{[27146]} .
وقال الضحاك : يحول بين الكافر وطاعته ، وبين المؤمن ومعصيته{[27147]} .
وقال مجاهد معناه : يحول بين المرء وعقله ( حتى لا يدري ما يصنع{[27148]} .
وقال السدي في معناه : يحول بين الإنسان وقلبه ){[27149]} . فلا يستطيع أن يؤمن ولا أن يكفر إلا بإذنه{[27150]} .
وقيل المعنى : يحول بين المرء وبين ما يتمناه بقلبه من طول العيش وامتداد الآمال والتسويف بالتوبة ، فيعاجله الموت قبل بلوغ شيء من ذلك{[27151]} .
وقال قتادة{[27152]} معناه : إنه قريب من قلب الإنسان ، لا يخفى عليه شيء أظهره ، ولا شيء أسرّه ، وهو مثل قوله : { ونحن أقرب إليه من حبل الوريد }{[27153]} .
وقال الطبري : هو خبر من الله عز وجل ، أنه أملك بقلوب{[27154]} العباد منهم ، وأنه يحول بينهم وبينها إذا شاء ، حتى لا يدرك الإنسان شيئا من الإيمان ولا الكفر ، ولا يعي{[27155]} شيئا{[27156]} . ولا يفهم شيئا ، إلا بإذنه ومشيئته{[27157]} .
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم ، كثيرا ما يقول في دعائه : يا مقلب القلوب قلب قلبي إلى طاعتك{[27158]} .
وفي رواية أخرى : ثبت قلبي على طاعتك{[27159]} .
وكان يحلف : " لا ومقلب القلوب " {[27160]} .
ومن هذا يقال : لا حول ولا قوة إلا بالله ، فمعناه : لا حول عن معصية ، ولا قوة عن طاعة إلا بالله{[27161]} .
( وقال النبي صلى الله عليه وسلم ، إذ{[27162]} نظر إلى زوجة زيد ){[27163]} فاستحسنها ، وقد كان عرضت عليه نفسها فلم يستحسنها : " سبحان مقلب القلوب " {[27164]} .
{ وأنه إليه تحشرون }[ 24 ] .
أي : تردون .
[27133]:في الأصل: فلم يستجيب، وهو خطأ ناسخ.
[27134]:في المخطوطتين: ذلك، وهو تحريف.
[27135]:مجاز القرآن 1/245، بلفظ: {استجيبوا لله}، مجازه: أجيبوا الله، ويقال: استجبت له، واستجبته، وقال كعب بن سعد الغنوي:
وداع دعا يا من يجيب إلى الندى *** فلم يستجبه عند ذاك مجيب
والبيت من قصيدة [جمهرية أصمعية] يرثي أخاه أبا المغوار، انظر: مزيد بيان في سِمط الآلئ 2/771.
وهو منسوب في جامع البيان 2/217، وتخريجه فيه، ومعاني القرآن للزجاج 1/255، وتخريجه فيه. ومن غير نسبة في تأويل مشكل القرآن 229، وأحكام ابن العربي 2/845، والمحرر الوجيز 2/514، وتفسير القرطبي 2/209، و7/247، وفتح القدير 2/341.
انظر: معجم شواهد العربية 1/40: الباء المضمومة.
والشاهد فيه: أن أجاب واستجاب بمعنى.
[27136]:وهو قول مجاهد كما في تفسيره 353، وزاد المسير 3/338، وزاد نسبته إلى السدي.
[27137]:وهو قول السدي في جامع البيان 13/464، وتفسير ابن أبي حاتم 5/1680، وتفسير الماوردي 2/307، وتفسير ابن كثير 2/297.
وقال الطبري، مصدر سابق: "وأما قول من قال: معناه: الإسلام فقول لا معنى له، لأن الله قد وصفهم بالإيمان....".
[27138]:وهو قول مجاهد، التفسير 353، بلفظ: "....، إذا دعاكم للحق، يعني: إلى الإيمان"، وجامع البيان 13/464، وتفسير ابن أبي حاتم 5/1679، وتفسير الماوردي 2/307، وزاد المسير 3/338، وتفسير ابن كثير 2/297.
[27139]:وهو قول قتادة في جامع البيان 13/464، وتفسير ابن أبي حاتم 5/168، وتفسير الماوردي 2/307، وزاد المسير 3/339، وزاد نسبته إلى ابن زيد، وتفسير ابن كثير 2/297.
[27140]:وهو قول ابن إسحاق في جامع البيان 13/465، وتفسير ابن أبي حاتم 5/1680، وتفسير الماوردي 2/307، وفيه أقوال أخرى. وزاد المسير 3/339، وتفسير ابن كثير 2/297، وفيه: "وقال محمد بن إسحاق عن محمد بن جعفر بن الزبير عن عروة بن الزبير...."، والدر المنثور 4/44، وفيه: "وأخرج ابن إسحاق وابن أبي حاتم عن عروة بن الزبير...".
[27141]:وهذا إحياء مستعار، لأنه من موت الكفر والجهل، كما في تفسير القرطبي 7/247.
قال الطبري في جامع البيان 13/465: "وأولى الأقوال في ذلك بالصواب، قول من قال: معناه: استجيبوا لله وللرسول بالطاعة، إذا دعاكم الرسول لما يحييكم من الحق. وذلك أن ذلك إذا كان معناه، كان داخلا في الأمر بإجابتهم لقتال العدو والجهاد، والإجابة إذا دعاكم إلى حكم القرآن، وفي الإجابة إلى كل ذلك حياة المجيب. أما في الدنيا، فبقاء الذكر الجميل، وذلك له فيه حياة. وأما في الآخرة، فحياة الأبد في الجنان والخلود فيها".
وفي تفسير الخازن 2/174: "واستدل أكثر الفقهاء بهذه الآية على أن ظاهر الأمر الوجوب؛ لأن كل من أمره الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، بفعل فقد دعاه إليه، وهذه الآية تدل على أنه لابد من الإجابة في كل ما دعا الله ورسوله إليه".
وقال الشوكاني في فتح القدير 2/342: "ويستدل بهذا الأمر بالاستجابة على أنه يجب على كل مسلم إذا بلغه قول الله أو قول رسوله في حكم من الأحكام الشرعية أن يبادر إلى العمل به كائنا ما كان ويدع ما خالفه من الرأي وأقوال الرجال. وفي هذه الآية الشريفة أعم باعث على العمل بنصوص الأدلة، وترك التقيد بالمذاهب، وعدم الاعتداد بما يخالف ما في الكتاب والسنة كائنا ما كان".
[27142]:جزء من حديث طويل أخرجه أحمد في مسنده رقم: 8977، والترمذي في سننه، كتاب: فضائل القرآن، باب: ما جاء في فضل فاتحة الكتاب، رقم 2800.
[27143]:في الأصل: فهادن، وهو تحريف.
[27144]:كذا في المخطوطتين: المدعو إيمانه، ولم أعرف له وجها، انظر جامع البيان 13/467، فالفقرة مستحصلة منه.
[27145]:تفسير عبد الرزاق الصنعاني 2/257، وجامع البيان 13/468، وتفسير الماوردي 2/308، وتفسير البغوي 3/344، وزاد المسير 3/339.
[27146]:صحيفة علي بن أبي طلحة عن ابن عباس 250، وجامع البيان 13/469، وتفسير ابن كثير 2/297، وفيه: "رواه الحاكم في مستدركه موقوفا، وقال: صحيح ولم يخرجاه، ورواه ابن مردويه من وجه آخر مرفوعا، ولا يصح لضعف إسناده والموقوف أصح".
[27147]:تفسير عبد الرزاق الصنعاني 2/257، وجامع البيان 13/468، وتفسير البغوي 3/345، وزاد المسير 3/339.
[27148]:جامع البيان 13/470، وتفسير الماوردي 2/308، وتفسير البغوي 3/345، وهو في تفسيره المطبوع 353، وتفسير ابن أبي حاتم 5/1681، بلفظ: "حتى يتركه لا يعقل".
[27150]:جامع البيان 13/471، وتفسير الماوردي 2/308، وتفسير البغوي 3/345، وزاد المسير 3/340، وتفسير ابن كثير 2/298.
[27151]:هو حكاية ابن الأنباري كما في تفسير الماوردي 2/308، بزيادة في لفظه. وهو في زاد المسير 3/340، من غير عزو.
[27152]:جامع البيان 13/471، بتصرف، وتفسير الماوردي 2/308، وزاد المسير 3/399، بألفاظ متقاربة.
[27153]:ق آية 16، ومستهل الآية: {ولقد خلقنا الانسان ونعلم ما توسوس به نفسه}.
[27154]:في الأصل: بقلوب إليه العباد، ولا معنى له.
[27155]:في المخطوطتين: ولا يغني، بغين معجمة، وهو تصحيف.
[27156]:في الأصل: شيء، وهو خطأ ناسخ.
[27157]:جامع البيان 13/471، 472، بتصرف. وفيه: "غير أنه ينبغي أن يقال: إن الله عمّ بقوله: {واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه} الخبر عن أنه يحول بين العبد وقلبه، ولم يخصص من المعاني التي ذكرنا شيئا دون شيء، والكلام محتمل كل هذه المعاني، فالخبر على العموم حتى يخصه ما يجب التسليم له".
[27158]:مسند أحمد، رقم: 11664، وسنن الترمذي، كتاب: القدر، باب: ما جاء أن القلوب بين أصبعي الرحمن، رقم 2066، بلفظ: "يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك".
[27159]:مسند أحمد، رقم 24938، بلفظ: "يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك وطاعتك".
[27160]:أخرجه البخاري في كتاب القدر، باب: يحول بين المرء وقلبه، رقم 6127، وفي كتاب التوحيد، باب: مقلب القلوب، رقم 6842، وفي كتاب الأيمان والنذور، باب: كيف كانت يمين النبي صلى الله عليه وسلم، رقم 6138.
[27161]:انظر: الزاهر 1/8-14، والنهاية في غريب الحديث 1/462، واللسان / حول.
[27163]:ما بين الهلالين ساقط من "ر".
[27164]:قال الحافظ ابن حجر في تخريج الكشاف: ذكره الثعلبي بدون سند، انظر: هامش محقق الكشاف 3/549، رقم 892.
وقال الحافظ ابن كثير 3/491، عند تفسير قوله تعالى: {وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه}[الأحزاب آية 37]، "ذكر ابن أبي حاتم، وابن جرير هاهنا آثارا عن بعض السلف رضي الله عنهم، أحببنا أن نضرب عنها صفحا لعدم صحتها فلا نوردها".