لباب التأويل في معاني التنزيل للخازن - الخازن  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱسۡتَجِيبُواْ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمۡ لِمَا يُحۡيِيكُمۡۖ وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ يَحُولُ بَيۡنَ ٱلۡمَرۡءِ وَقَلۡبِهِۦ وَأَنَّهُۥٓ إِلَيۡهِ تُحۡشَرُونَ} (24)

قوله عز وجل : { يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول } يعني أجيبوهما بالطاعة والانقياد لأمرهما { إذا دعاكم } يعني الرسول صلى الله عليه وسلم . وإنما وجد الضمير في قوله تعالى إذا دعاكم لأن استجابة الرسول صلى الله عليه وسلم استجابة لله تعالى وإنما يذكر أحدهما مع الآخر للتوكيد واستدل أكثر الفقهاء بهذه الآية على أن ظاهر الأمر للوجوب لأن كل من أمره الله ورسوله صلى الله عليه وسلم بفعل فقد دعاه إليه وهذه الآية تدل على أنه لا بد من الإجابة في كل ما دعا الله ورسوله إليه ( خ ) .

عن أبي سعيد بن المعلى قال : «كنت أصلي في المسجد فدعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم أجبه ثم أتيته فقلت يا رسول الله إني كنت أصلي فقال صلى الله عليه وسلم ألم يقل الله استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم » ثم ذكر الحديث عن أبي هريرة «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج على أبي بن كعب وهو يصلي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أبيّ فالتفت أبيّ ولم يجبه وصلى أبي وخفف ثم انصرف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال السلام عليك يا رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما منعك يا أبي أن تجيبني إذ دعوتك فقال : يا رسول الله إني كنت في الصلاة فقال صلى الله عليه وسلم أفلم تجد فيما أوحى الله إلي : استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم قال بلى ولا أعود إن شاء الله تعالى » وذكر الحديث أخرجه الترمذي وقال حديث حسن صحيح .

قيل هذه الإجابة مختصة بالنبي صلى الله عليه وسلم فعلى هذا ليس لأحد أن يقطع صلاته لدعاء أحد آخر وقيل لو دعاه أحد لأمر مهم لا يحتمل التأخير فله أن يقطع صلاته .

وقوله تعالى : { لما يحييكم } يعني إذا دعاكم إلى ما فيه حياتكم . قال السدي : هو الإيمان ، لأن الكافر ميت فيحيا بالإيمان . وقال قتادة : هو القرآن ، لأنه حياة القلوب وفيه النجاة والعصمة في الدارين . وقال مجاهد : هو الحق وقال محمد بن إسحاق : هو الجهاد لأن الله أعزه به بعد الذل . وقيل : هو الشهادة لأن الشهداء أحياء عند ربهم يرزقون : { واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه } قال ابن عباس : يحول بين المؤمن وبين الكفر ومعاصي الله ويحول بين الكافر وبين الإيمان وطاعة الله . وهذا قول سعيد بن جبير والضحاك ومجاهد . وقال السدي : يحول بين الإنسان وقلبه فلا يستطيع أن يؤمن أو يكفر إلا بإذنه وقد دلت البراهين العقلية على هذا القول لأن أحوال القلوب اعتقادات ودواعي وتلك الاعتقادات والدواعي لا بد أن تتقدمها الإرادة وتلك الإرادة لا بد لها من فاعل مختار وهو الله سبحانه وتعالى فثبت بذلك أن المتصرف في القلب كيف شاء هو الله تعالى ( م ) عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «إن قلوب بني آدم بين إصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد يصرفه حيث شاء ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم مصرف القلوب ثبت قلوبنا على طاعتك » عن أنس بن مالك قال : «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك فقلنا يا رسول الله قد أمنّ بك وبما جئت به فهل تخاف علينا قال : نعم إن القلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف شاء » أخرجه الترمذي وهذا الحديث من أحاديث الصفات ، فيجب على المرء المسلم أن يمره على ما جاء مع الاعتقاد الحازم بتنزيه الله تعالى عن الجارحة والجسم . وقيل في معنى الآية : إن الله عز وجل يحول بين المرء وقلبه حتى لا يدري ما يصنع ولا يعقل شيئاً . وقيل : إن القوم لما دعوا إلى القتال والجهاد وكانوا في غاية الضعف والقلة خافت قلوبهم وضاقت صدورهم فقيل لهم : قاتلوا في سبيل الله واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه فيبدل الخوف أمناً والجبن جراءة .

وقوله تعالى : { وأنه إليه تحشرون } يعني في الآخرة فيجزي كل عامل بعمله فيثيب المحسن ويعاقب العاصي .