النكت و العيون للماوردي - الماوردي  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱسۡتَجِيبُواْ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمۡ لِمَا يُحۡيِيكُمۡۖ وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ يَحُولُ بَيۡنَ ٱلۡمَرۡءِ وَقَلۡبِهِۦ وَأَنَّهُۥٓ إِلَيۡهِ تُحۡشَرُونَ} (24)

قوله عز وجل : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ } يعني أجيبوا الله والرسول قال كعب ابن سعد الغنوي .

وداع دعا يا من يجيب إلى الندى *** فلم يستجبه عند ذاك مجيب

وإجابة الله تعالى هي طاعة أمره ، وإنما خرجت عن هذا اللفظ لأنها في مقابلة الدعاء إليها فصارت إجابة لها .

{ إذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ } فيه سبعة أقاويل :

أحدها : إذا دعاكم إلى الإيمان ، قاله السدي .

والثاني : إذا دعاكم إلى الحق ، قاله مجاهد .

والثالث : إذا دعاكم إلى ما في القرآن ، قاله قتادة .

والرابع : إذا دعاكم إلى الحرب وجهاد العدو ، قاله ابن إسحاق .

والخامس : إذا دعاكم إلى ما فيه دوام حياتكم في الآخرة ، ذكره علي بن عيسى .

والسادس : إذا دعاكم إلى ما فيه إحياء أمركم في الدنيا ، قاله الفراء .

والسابع : أنه على عموم الدعاء فيما أمرهم به .

روى العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة قال : مر رسول الله صلى الله عليه وسلم على أُبيّ وهو قائم يصلي فصرخ به قال : " يَا أُبيّ " قال فعجل في صلاته ، ثم جاء ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " مَا مَنَعَكَ إذْ دَعَوتُكَ أَنْ تُجِيبَنِي ؟ " قال : يا رسول الله كنت أصلي ، فقال : " أَلَمْ تَجِدْ فِيمَا أُوحِيَ إلَيَّ { اسْتَجِيْبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ } " قال بلى يا رسول الله ، لا أعود .

{ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ } فيه لأهل التأويل سبعة أقاويل :

أحدها : يحول بين الكافر والإيمان ، وبين المؤمن والكفر ، قاله ابن عباس وسعيد بن جبير والضحاك .

والثاني : يحول بين المرء وعقله فلا يدري ما يعمل ، قاله مجاهد .

والثالث : يحول بين المرء وقلبه أن يقدر على إيمان أو كفر إلا بإذنه ، قاله السدي .

والرابع : معناه أنه قريب من قلبه يحول بينه وبين أن يخفى عليه شيء من سره أو جهره فصار أقرب من حبل الوريد ، وهذا تحذير شديد ، قاله قتادة .

والخامس : معناه يفرق بين المرء وقلبه بالموت فلا يقدر على استدراك فائت . ذكره علي بن عيسى .

والسادس : يحول بين المرء وما يتمناه بقلبه من البقاء وطول العمر والظفر والنصر ، حكاه ابن الأنباري .

والسابع : يحول بين المرء وما يوقعه في قلبه من رعب خوف أو قوة وأمن ، فيأمن المؤمن من خوفه ، ويخاف الكافر عذابه .