تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{قُلۡ أَغَيۡرَ ٱللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيّٗا فَاطِرِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَهُوَ يُطۡعِمُ وَلَا يُطۡعَمُۗ قُلۡ إِنِّيٓ أُمِرۡتُ أَنۡ أَكُونَ أَوَّلَ مَنۡ أَسۡلَمَۖ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ} (14)

ثم قال لعبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم ، الذي بعثه بالتوحيد العظيم والشرع القويم ، وأمره أن يدعو الناس إلى صراطه{[10592]} المستقيم : { قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ } كَمَا قَالَ { قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ } [ الزمر : 64 ] ، والمعنى : لا أتخذ وليًا إلا الله وحده لا شريك له ، فإنه فاطر السموات والأرض ، أي : خالقهما ومبدعهما على غير مثال سَبَق .

{ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلا يُطْعَمُ } أي : وهو الرزاق لخلقه من غير احتياج إليهم ، كما قال تعالى : { وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ * [ مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ* إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ ]{[10593]} } [ الذاريات : 56 - 58 ] .

وقرأ بعضهم هاهنا : { وَهُوَ يُطْعِمُ ولا يَطْعَمُ } الآية{[10594]} أي : لا يأكل .

وفي حديث سُهَيْل بن أبي صالح ، عن أبيه ، عن أبي هريرة [ رضي الله عنه ]{[10595]} قال : دعا رجل من الأنصار من أهل قباء النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : فانطلقنا معه ، فلما طعم النبي صلى الله عليه وسلم وغسل يديه قال : الحمد لله الذي يُطعِم ولا يَطْعَم ، ومَنَّ علينا فهدانا ، وأطعمنا وسَقانا وكلّ بَلاء حَسَن أبلانا ، الحمد لله غير مُودّع{[10596]} ولا مكافَأ ولا مكفور ولا مُسْتَغْنًى عنه ، الحمد لله الذي أطعمنا من الطعام ، وسقانا من الشراب ، وكسانا من العري ، وهدانا من الضلال ، وبَصَّرنا من العَمَى ، وفَضَّلنا على كثير ممن خلق تفضيلا الحمد لله رب العالمين " {[10597]}

{ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ } أي : من هذه الأمة .


[10592]:في م، أ: "صراط الله".
[10593]:زيادة من م، أ.
[10594]:في د: "الآيتين".
[10595]:زيادة من أ.
[10596]:في م، أ: "غير مودع ربى".
[10597]:رواه النسائي في السنن الكبرى برقم (10132) وابن حبان في صحيحه برقم (1352) من طريق سهيل بن أبي صالح به.
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{قُلۡ أَغَيۡرَ ٱللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيّٗا فَاطِرِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَهُوَ يُطۡعِمُ وَلَا يُطۡعَمُۗ قُلۡ إِنِّيٓ أُمِرۡتُ أَنۡ أَكُونَ أَوَّلَ مَنۡ أَسۡلَمَۖ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ} (14)

القول في تأويل قوله تعالى : { قُلْ أَغَيْرَ اللّهِ أَتّخِذُ وَلِيّاً فَاطِرِ السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلاَ يُطْعَمُ قُلْ إِنّيَ أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلاَ تَكُونَنّ مِنَ الْمُشْرِكَينَ } .

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : قل يا محمد لهؤلاء المشركين العادلين بربهم الأوثان والأصنام ، والمنكرين عليك إخلاص التوحيد لربك ، الداعين إلى عبادة الاَلهة والأوثان : أشياء غير الله تعالى أتخذ وليا وأستنصره وأستعينه على النوائب والحوادث ؟ كما :

حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسياط ، عن السديّ : قُلْ أغَيْرُ اللّهِ أتّخِذُ وَلِيّا قال : أما الوليّ : فالذي يتولونه ويقرون بالربوبية .

فاطِرِ السّمَوَاتِ والأرْضِ يقول أشيئا غير الله فاطر السموات والأرض أتخذ وليا ؟ ففاطر السموات من نعت الله وصفته ولذلك خفض . ويعني بقوله : فاطِرِ السّمَواتِ والأرْضِ مبتدعهما ومبتدئهما وخالقهما . كالذي :

حدثنا به ابن وكيع ، قال : حدثنا يحيى بن سعيد القطان ، عن سفيان ، عن إبراهيم بن مهاجر ، عن مجاهد ، قال : سمعت ابن عباس يقول : كنت لا أدري ما فاطر السموات والأرض ، حتى أتاني أعرابيان يختصمان في بئر ، فقال أحدهما لصاحبه : أنا فطرتها ، يقول : أنا ابتدأتها .

حدثنا محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : فاطِرِ السّمَوَاتِ والأرْضِ قال : خالق السموات والأرض .

حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، في قوله : فاطِرِ السّمَوَاتِ والأرْضِ قال : خالق السموات والأرض .

يقال من ذلك : فطرها الله يَفْطُرُها ويَفْطِرُها فَطْرا وفُطُورا ، ومنه قوله : هَلْ تَرى مِنْ فُطُورٍ يعني : شقوقا وصدوعا ، يقال : سيف فُطَار : إذا كثر فيه التشقق ، وهو عيب فيه ومنه قول عنترة :

وسَيْفِي كالعقيقةِ فهو كِمْعِي ***سِلاحي لا أفلّ ولا فُطارَا

ومن يقال : فَطَر نابُ الجمل : إذا تشقق اللحم فخرج ومنه قوله : تَكادُ السّمَوَاتِ يَتَفَطّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنّ : أي يتشقّقن ويتصدعن .

وأما قوله : وَهُوَ يُطْعِمُ وَلا يُطْعَمُ فإنه يعني : وهو يَرْوُق خلقه ولا يُرْزَق . كما :

حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : وَهُوَ يُطْعِمُ وَلا يُطْعَمُ قال : يَرْزُق ، ولا يُرْزَق .

وقد ذكر عن بعضهم أنه كان يقول ذلك : وَهُوَ يُطْعِمُ وَلا يُطْعَمُ أي أنه يطعم خلقه ، ولا يأكل هو . ولا معنى لذلك لقلة القراءة به .

القول في تأويل قوله تعالى : قُلْ إنّي أُمِرْتُ أنْ أكُونَ أوّلَ مَنْ أسْلَمَ وَلا تَكُونَنّ مِنَ المُشْرِكينَ .

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : قل يا محمد للذين يدعونك إلى اتخاذ الاَلهة أولياء من دون الله ويحثّونك على عبادتها : أغير الله فاطر السموات والأرض ، وهو يرزقني وغيري ، ولا يرزقه أحد ، أتخذ وليا هو له عبد مملوك وخلق مخلوق ؟ وقل لهم أيضا : إني أمرني ربي أن أكون أوّل من أسلم ، يقول : أوّل من خضع له بالعبودية وتذلل لأمره ونهيه وانقاد له من أهل دهري وزماني . وَلا تَكُونَنّ مِنَ المْشُرِكِينَ يقول : وقل : وقيل لي لا تكوننّ من المشركين بالله الذين يجعلون الاَلهة والأنداد شركاء وجعل قوله : أُمِرْتُ بدلاً من «قيل لي » ، لأن قوله : أُمِرْتُ معناه : قيل لي ، فكأنه قيل : قل إني قيل لي : كن أوّل من أسلم ، ولا تكوننّ من المشركين فاجتزىء بذكر الأمر من ذكر القول ، إذ كان الأمر معلوما أنه قول .