لباب التأويل في معاني التنزيل للخازن - الخازن  
{وَمَآ أَرۡسَلۡنَا قَبۡلَكَ مِنَ ٱلۡمُرۡسَلِينَ إِلَّآ إِنَّهُمۡ لَيَأۡكُلُونَ ٱلطَّعَامَ وَيَمۡشُونَ فِي ٱلۡأَسۡوَاقِۗ وَجَعَلۡنَا بَعۡضَكُمۡ لِبَعۡضٖ فِتۡنَةً أَتَصۡبِرُونَۗ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرٗا} (20)

قوله عز وجل { وما أرسلنا قبلك } أي يا محمد { من المرسلين إلا إنهم ليأكلون الطعام ويمشون في الأسواق } قال ابن عباس : لما عير المشركون رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا { ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق } أنزل الله تعالى على هذه الآية والمعنى أن هذه عادة مستمرة من الله تعالى على رسله فلا وجه لهذا الطعن { وما أنا إلا رسول } { وما كنت بدعاً من الرسل } وهم كانوا بشراً مثلي ، يأكلون الطعام ويمشون في الأسواق { وجعلنا بعضكم لبعض فتنة } أي بلية قال ابن عباس أي جعلنا بعضكم بلاء بعض ، لتصبروا على ما تسمعون منهم وترون من خلافهم وتتبعوا أنتم الهدى ، قيل : نزلت في ابتلاء الشريف بالوضيع وذلك أن الشريف إذا أراد أن يسلم رأى الوضيع ، قد أسلم قبله فأنف وقال : أسلم بعده فيكون له السابقة والفضل علي فيقيم على كفره ويمتنع من الإسلام فذلك افتتان بعضهم ببعض وقيل : نزلت في أبي جهل والوليد بن عقبة والعاص بن وائل السهمي والنضر بن الحارث وذلك أنهم رأوا أبا ذر وابن مسعود وعمار بن ياسر وبلالاً ، وصهيباً وعامر بن فهيرة وذويهم ، قد أسلموا قبلهم فقالوا : نسلم فنكون مثل هؤلاء وقيل : نزلت في ابتلاء فقراء المسلمين بالمستهزئين من قريش كانوا يقولون : انظروا إلى هؤلاء الذين تبعوا محمداً صلى الله عليه وسلم من موالينا وأراذلنا فقال الله تعالى لهؤلاء المؤمنين { أتصبرون } أي على هذه الحالة من الفقر والشدة والأذى وقيل إن الغني فتنة الفقير يقول ما لي لم أكن مثله والصحيح فتنة المريض والشريف فتنة الوضيع { وكان ربك بصيراً } أي بمن صبر وبمن جزع ( ق ) عن أبي هريرة يبلغ به النبيّ صلى الله عليه وسلم قال : « إذا نظر أحدكم إلى من فضل عليه بالمال والجسم فلينظر إلى من هو دونه في المال والجسم » لفظ البخاري ولمسلم « انظروا إلى من هو أسفل منكم ، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم فهو أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم » .